تمرير

نعيش مع مرضانا بشكل عملي ونشاركهم أصغر تفاصيل حياتهم؛ هذه بعض الامتيازات التي تمنحنا إياها مهنة التمريض

9 مارس 2020
قصة
الدول ذات الصلة
اليمن
شارك
طباعة:

المقابة الأولى مع رائدة، ٣١ سنة، ممرضة في مستشفى الأم والطفل، تعز – الحوبان. مسقط رأسها موزع، محافظة تعز.

ما الذي دفعكِ للانضمام لمنظمة أطباء بلا حدود في اليمن؟

"بدأت العمل كممرضة في مستشفى الأم والطفل التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في شهر مارس / آذار 2016، أي أنني أعمل معهم منذ ما يقرب من أربع سنوات وشهرين.

درست التمريض وحصلت على دبلوم بعد ثلاث سنوات، ثم بدأت العمل في مستشفى خاص لمدة عام واحد قبل اندلاع الحرب.

وعندما بدأت الحرب، اضطررت إلى التوقف عن العمل كممرضة لمدة تسعة أشهر. ثم تقدمت للحصول على وظيفة في هذا المستشفى وتم قبولي".

لماذا اضطررت للتوقف عن العمل؟

"بسبب هذه الحرب. كان المستشفى الذي كنت أعمل فيه يقع بالقرب من خط المواجهة. كما كان قريبًا من "القصر الجمهوري" أيضًا والذي تم ضربه أثناء القتال، ولذلك اضطر المستشفى إلى وقف أنشطته. بعد ذلك عدت إلى قريتي حيث بدأت العمل بمهنة مختلفة، وهي: الخياطة. اشتقت لأكون ممرضة واشتقت لليوم الذي يمكنني فيه العمل بمهنتي".

"أنا لم أختر هذه المهنة، ولكن عندما بدأت التمرن على أداء المهام الفعلية لأي ممرض أصبحت أحب عملي".

msf307404high.jpg

لماذا التمريض؟

"أحب هذه المهنة لأنها توفر الفرصة للعيش مع الناس، وتشاركهم في حياتهم، وتحاول تقديم المساعدة لهم للتخفيف من معاناتهم. أنا أشعر أنه من خلال هذه المهنة، أقدّم خدمة لشعبي ولبلدي.

لم أختر هذه المهنة. أختي هي من دفعتني لدراسة التمريض. وقد التحقت بالفعل في ثلاثة معاهد مختلفة، لكنني تركتها جميعها. لم أكن أعرف ماذا يعني التمريض، وكنت خائفة مما لم أكن أعرفه.

كانت أختي تدرك مدى فائدة وجود ممرضة في الأسرة؛ فإذا مرض شخص وكان بحاجة إلى عناية طبية فورية، سأكون موجودة وسأمتلك المهارات اللازمة للاستجابة بسرعة.

وكان الأمر عندما بدأت في ممارسة الواجبات الفعلية لأي ممرض، عندها وقعت في حب عملي. ولم يكن الأمر صعباً كما بدا لي من قبل، وشعرت أن المهنة تسهم بشكل فعلي في المجتمع وكذلك في تطوري الذاتي".

ما الذي يحفزك على القدوم إلى العمل كل يوم؟

"عندما اندلعت الحرب، كانت أختي الصغيرة لا تزال تدرس لتصبح اختصاصية مخبرية. وكنا ندفع رسوم قدرها 1,000 دولار أمريكي لأنها كانت تدرس في مؤسسة خاصة. ومع تصاعد الحرب، لم نعد قادرين على تحمل تكاليف تعليمها، لذلك اضطرت إلى ترك الجامعة والبقاء في المنزل. وكانت تبكي كثيرًا لأنها أرادت إكمال دراستها. لقد كان من المحبط أن أعرف ما أرادت أختي عمله، ولم يكن باستطاعتي فعل أي شيء لمساعدتها.

عندما حصلت على وظيفة مع منظمة أطباء بلا حدود، كنت قادرة على دفع تكاليف تعليمها. وكنت سعيدة جدًا أنها ستتمكن من استكمال دراستها. كما استطعت أيضًا أن أدفع تكاليف تعليم أختي الأخرى، والتي حصلت على درجة البكالوريوس في التمريض.

نحن عائلة مكونة من 10 فتيات وصبي واحد. كان والدي عاطلاً عن العمل وغير قادر على العثور على وظيفة، وعمل أخي كميكانيكي كان بالكاد يغطي الرسوم المدرسية للفتيات في العائلة".

"بعد أن غادرت المستشفى في ذلك اليوم، لم أتمكن من النوم. كان جلّ ما كنت قادرة على التفكير فيه هو المريضة، ولم تفارق صورتها هي وطفلها في تلك الغرفة ذهني أبدًا".

msf307384high.jpg

هل هناك مريض تفكرين به بشكل دائم؟

"كان ذلك منذ ستة أشهر تقريبًا – أتذكر ذلك اليوم بشكل واضح لأنه كان له تأثير كبير علي. كنت في المناوبة الليلية، والتي تنتهي في الساعة ٧ صباحًا. وفي حوالي الساعة ٦:٣٠ صباحًا، تم نقل امرأة حامل إلى المستشفى. ومن ثم تم نقلها مباشرة إلى غرفة الولادة حيث كانت على وشك الولادة، لكنها كانت تنزف بشدة. حاول الأطباء وأطباء التخدير جميعًا وقف النزيف [بعد أن أنجبت]، ولكن دون جدوى. ثم اتصلوا بفريق التمريض.

لقد كان مشهد الأم الضعيفة والطفل الذي وُلد حديثاً وهو يبكي في مهده يستنزفك عاطفياً. ولم يتمكنوا من اصطحابها إلى غرفة العمليات، ذلك أنه، بعد كل هذا النزيف، كان قد فات الأوان لإنقاذها. ماتت المريضة. لقد كان يومًا حزينًا فظيعًا للجميع في تلك الغرفة وللجميع في المستشفى.

بعد أن غادرت المستشفى في ذلك اليوم، لم أستطع النوم. كل ما استطعت أن أفكر فيه هو المريضة، وظلت صورتها وصورة طفلها في تلك الغرفة في ذهني طوال الوقت.

أثر علينا الحادث لمدة ثلاثة أشهر كاملة. وكانت حقيقة أن صحتها تدهورت أمامنا، وأنه مع أننا فعلنا كل ما بوسعنا فعله، ولكن ما زلنا نشعر بالعجز ... هذا الشعور يسيطر علينا حتى يومنا هذا ".

كيف أثرت الحرب على حياتك؟

"لم أرَ والديّ منذ عامين. وحتى أتمكن من رؤيتهم، يجب أن أقطع برحلة طويلة ومرهقة للغاية. من قريتي إلى الحوبان، والتي كانت تستغرق أربع ساعات بالسيارة قبل الحرب؛ أما في الوقت الحاضر، فهذا يعني أن نقضي يومين على الطريق. نقاط التفتيش المختلفة وحواجز الطرق والطرق الوعرة، كل ذلك يعني أنها رحلة صعبة.

وعدت والديّ أن أراهم في وقت مبكر من هذا العام. قلت لهم: "2020 سيكون العام الذي سنجتمع فيه مرة أخرى" – لكنني لم أتمكن من الوفاء بوعدي بعد. سأحاول أن أذهب لرؤيتهم في العيد، إن شاء الله ".

المقابلة الثانية مع مروة، ٢٩ سنة، ممرضة، مستشفى الأم والطفل، تعز – الحوبان.مسقط رأسها حيفان، محافظة تعز.

msf307385high.jpg

لماذا الحوبان؟

"لقد كنت أعيش في الحوبان منذ أن كنت في الصف الخامس في المدرسة. وكان والدي يعمل أستاذاً في مدرسة هنا، ونقل جميع أفراد العائلة من وسط مدينة تعز إلى الحوبان لنكون أقرب إليه.

درست في جامعة تعز لمدة أربع سنوات وحصلت على درجة البكالوريوس في التمريض. وبعد أن تخرجت قبل سبع سنوات، بدأت العمل على الفور في مستشفى اليمن الدولي. وبعد عام أصبحت حاملاً وتوقفت عن العمل لأعتني طفلي، تزامنًا مع انتظار حصولي على الوظيفة المناسبة. وعندما أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن وجود وظيفة شاغرة لممرضة، تقدمت بطلب، والحمد لله، تم قبولي وأصبحت جزءًا من عائلة أطباء بلا حدود".

كيف تغيرت حياتك منذ بدأت الحرب؟

" كنا نعيش جميعًا معًا كعائلة واحدة قبل الحرب، وكان زوجي يعمل في تعز. وبسبب الحرب، عانينا من الابتعاد القسري، ذلك أن زوجي سافر إلى عدن للحصول على فرصة عمل مغرية بعد إجبار العديد من المتاجر والشركات في تعز على الإغلاق. والآن، كل شهرين أو ثلاثة أشهر يزورنا ويقضي معنا فترة أسبوع أو اثنين ثم يعود إلى عدن ".

كيف اخترتِ التمريض كمهنة؟

"نحن نعيش مع مرضانا بشكل عملي ونشاركهم أصغر تفاصيل حياتهم؛ هذه بعض الامتيازات التي تمنحنا إياها مهنة التمريض."

"لم تعجبني فكرة التمريض في البداية – كنت أرغب في دراسة الطب بدلاً من ذلك. ولكن عندما خضت الامتحان الخاص بتخصص الطب، لم أنجح. وقد أصر والدي على أنه ينبغي على أشقائي وأنا أن ندرس أي من فروع الطب وأن نبقى في مجال الرعاية الصحية. وكان هذا هو الوقت الذي قررت فيه خوض امتحان التمريض وهذه المرة نجحت – كما لو كان من المقدّر أن أدرس هذا التخصص. واليوم، أنا مدينة لوالدي بالشكر لإصراره على أن أختار مجال العمل هذا.

وعلى الرغم من أن التمريض مهنة متعبة، إلا أنني أحب هذا العمل. فهو إنساني بطبيعته، وفي نهاية المطاف تشعر أن ضميرك مرتاح، ذلك أنك ساهمت بطريقة أو بأخرى في تخفيف المعاناة التي يعيشها أشخاص، أو حتى إنقاذ أرواح آخرين. كما أن هذه المهنة تقربك من الناس؛ إذ نقضي الكثير من الوقت مع المرضى، وربما أكثر من الوقت الذي يقضيه الأطباء معهم. فنحن نعيش بشكل عملي مع مرضانا ونشاركهم أصغر تفاصيل حياتهم. هذا هو أحد الامتيازات التي تمنحها إياها مهنة التمريض.

عندما ترى شخصًا بالغًا أو طفلًا يعاني من الألم وبإمكانك المساعدة في التخلص من هذا الألم، فهذا شعور رائع. وعندما ترى تحسناً في صحة الأشخاص الذين تقدم لهم الرعاية – مثلما يحدث عندما يبدأ الطفل في الرضاعة الطبيعية بعد أيام من البكاء بسبب الألم – فهذا شعور رائع أيضًا. أحيانًا أعود للعمل بمشاعر من الحماس بشكل كامل، وأفكر: "هل سأرى مرضاي الذين اعتنيت بهم الأمس لا يزالون في السرير، أم هل ستكون حالتهم قد تحسنت وخرجوا من المستشفى؟" أشعر بالسعادة عندما أعرف أن صحة أي مريض قد تحسنت بشكل ملحوظ وأنه خرج من المستشفى. هذه هي ثمرة عملنا الشاق.

لا ينتهي دوري كممرضة عندما أغادر المستشفى؛

فدوري هذا يرافقني أينما ذهبت. عندما أكون في المنزل بعد يوم طويل في العمل، فإذا كان أحد أطفال الجيران مريضًا، فإنهم يأتون إليّ على الفور. وهم ينظرون إليّ على أنني طبيبة الحي. وكثيرًا ما يطرقون بابي ليلًا، ولا سيما إذا كان أحد أطفال الجيران مريضًا. لم أرفض مساعدة أي منهم في يوم من الأيام لأنني أعلم أنه يمكنني مساعدتهم.

" الحرب تركت أثراً كبيراً على استقرار كل بيت يمني، سواء الفقير أو الغني منهم. ويشعر اليمنيون بالخوف حتى داخل منازلهم."

لقد غيرت الحرب حياتنا. إذ اعتدت أن أعيش مع زوجي وطفلي تحت سقف واحد – كما تعيش أي عائلة عادية. لقد استقرينا وعشنا حياة مستقرة في السابق. ولكن الحرب دفعته للسفر إلى مدينة أخرى لكسب ما يكفي لدعم عائلتنا. أن تعاني من التباعد بين أفراد أسرتك، وهو أمر مؤلم للغاية. ابنتاي تسألان عنه باستمرار وتتمنيان لو أنهما يعيشان معه.

في وقت سابق قبل الحرب، كان بإمكان زوجي زيارتنا بكل سهولة، حيث كان من السهل العثور على وسائل نقل بين عدن والحوبان. ولكن في ظل الظروف الحالية، فإنه يضطر إلى سلوك طرق مختلفة، والتي يكون فيها مستوى الأمان أقل أمانًا وتستغرق وقتًا أطول، مما يبث الخوف في قلبي في كل مرة يقرر فيها زيارتنا. إذ أن الطريق الذي كان يستغرق ساعتين سابقًا، يستغرق الآن سبع ساعات، حيث يتم إيقافك عند نقاط التفتيش الموجودة على طول الطريق. وكانت هناك أوقات لم يتمكن فيها من الوصول إلينا على الإطلاق، لأنه كان يكتشف في منتصف الطريق أن الطريق مغلق بسبب القتال. وكان عليه أن يعود أدراجه إلى عدن حتى لا يخاطر بحياته. لقد فقدنا الشعور بالاستقرار. أعتقد أن الحرب كان لها تأثير على استقرار كل أسرة يمنية، سواء كانت غنية أم فقيرة. اليمنيون يشعرون بالخوف حتى داخل منازلهم ".

هل هناك مريض تفكرين به بشكل دائم؟

"دائمًا ما يؤثر فيً وفاة شخص بالغ أو طفل يؤثر ذلك فيّ بكل صدق. أعتقد أنه أصعب شعور يمكن لأي شخص أن يمرّ به على الإطلاق. وخلال عملي في هذا المستشفى كممرضة، واجهت مثل هذه الحالات، حيث أن عدد المرضى الذين يتم إدخالهم إلى المستشفى مرتفع، والصعوبات التي يواجهونها للوصول إلينا تجعل احتمال حدوث المضاعفات أكبر. يصل الأطفال في بعض الأحيان إلى المستشفى ميتين، ويكون من الصعب إدخالهم. ربما لأنني أم أيضًا، فالأمر يلمسني بعمق.

من الصعب التعامل مع ألم فقدان طفلك، وعلينا أن نكون موجودين لتعزية الأم وتخفيف آلامها بعد ذلك، إذا استطعنا عمل ذلك. نحاول أن نساعدها على التعايش مع هذا الألم، والتكيف مع خسارة من تحب. ونشاركها معاناتها وحزنها. هذا هو الجزء الأصعب من عملنا."

في اليوم العالمي للمرأة، أقرأ أيضا: