تمرير

هل لقاحات كوفيد-19 تصب حقاً في صالح البشرية؟

30 نوفمبر 2020
قصة
شارك
طباعة:

نُشر هذا المقال في موقع ID4D، وهو مدونة تستضيفها الوكالة الفرنسية للتنمية بتاريخ 16 نوفمبر 2020. إقرأ بالإنجليزية على موقعنا CRASH.

يمكن للقاحات أن تعطي منفعة حقيقية فقط إذا ما أعطيت كجزء من استجابة منطقية وشاملة، تأخذ في الاعتبار العوامل الطبية الحيوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتكون مصممة بما يناسب الوضع المحلي فيما يخص الأزمة الصحية وتداعياتها

في يونيو/حزيران 2020، وقع 154 قائداً عالمياً بينهم حاصلون على جائزة نوبل ومشاهير آخرين رسالة تدعو المنظمات الدولية والحكومات ليعلنوا أن لقاحات كوفيد-19 هي أمر يخدم الصالح العام العالمي، وليتخذوا إجراءات في هذا الصدد. وقد ذهبت الرسالة إلى أنه "في نهاية المطاف، الطريق الوحيدة لاستئصال الجائحة كلياً هي وجود لقاح يمكن أن يعطى لجميع الناس على هذا الكوكب، سواء في المدن أم الأرياف، للرجال أو النساء، الذين يعيشون في دول غنية أو فقيرة".

وبعيداً عن مفهوم الوصول الشامل، فإن تعريف الصالح العام العالمي ليس واضح المعالم كما قد يبدو للوهلة الأولى. فالمصطلح هو مركَّب اجتماعي شكَّلته قيم أخلاقية وسياسية وقد يختلف من بلد إلى آخر أو حتى ضمن ذات المجتمعات ويتغير مع مرور الزمن. والآن حيث أصبح وصول لقاح كوفيد-19 وشيكاً، ينبغي النظر في تبعات تصنيفه كنفع عام. فمن سيجني فعلياً فوائد هذه المبادرة التي تبدو حسنة النية، مع كل ما بات معروفاً حالياً فيما يخص الجائحة، وأنواع اللقاحات التي يتم تطويرها وخطط توزيعها؟

تقييم الجائحة

بعد ثمانية أشهر من إعلان منظمة الصحة العالمية أن كوفيد-19 هو "جائحة"، لم يكن أثر هذا الإعلان شاملاً كل العالم ولم يكن له ذات الأثر على الجميع. وكما هو حال الكثير من الدول في أوروبا، تواجه فرنسا حالياً موجة ثانية من الفيروس، حيث يتأثر الناس الأكبر سناً أكثر من غيرهم وعلى نحو شديد الضرر. وبالرغم من أن معدلات الإصابة في فرنسا متماثلة لدى كل الفئات العمرية للبالغين، فقد كانت نسبة 92 في المئة من الوفيات تحصل لدى من هم فوق الخامسة والستين من العمر، ومعدل عمر المتوفين حالياً هو 84 عاماً. وقد سجلت ثلاث دول – الولايات المتحدة، والهند، والبرازيل – نحو نصف عدد الإصابات الرسمية لكوفيد-19 في العالم البالغة 50 مليوناً، وسجلت الولايات المتحدة وحدها نحو 20 في المئة من جميع الوفيات. وحتى تاريخه، في العديد من الدول منخفضة الدخل، لا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء، بقيت معدلات الوفيات والاعتلال المتعلقة بكوفيد-19 منخفضة. وبالرغم من هذا فقد تأثرت هذه الدول أكثر من غيرها من التدابير الاقتصادية المتخذة للحد من انتشار الفيروس. وأدى هذا إلى انخفاض الحوالات التي يرسلها المغتربون إلى بلدانهم الأصلية، ونقص صادرات المواد الخام وعدم القدرة على سداد الديون.

وحتى الآن مازال هناك العديد من العوامل غير المعروفة فيما يخص كيف ستتطور الجائحة وفعالية الحلول الطبية المتوفرة. ومن المرجح أن يتغير الوضع مع مرور الزمن، ما سيدل على الحاجة لاستجابة مرنة والاستعداد لمتابعة جميع المبادرات المحتملة الواعدة والحيلولة دون تفاقم التفشي.

اللقاحات ليست حلاً سحرياً

منذ عدة سنوات تقوم الشركات الدوائية بالبحث والتطوير لإنتاج لقاحات جنيسة قابلة للتعديل بسرعة لاستهداف العوامل الممرضة. وقد حظي هذا العمل بالدعم من خلال ضخ تمويل كبير من حكومات معينة، وقد جذب الوباء مقداراً كبيراً من الاستثمار الجديد. هناك أكثر من 139 لقاحاً مرشّحاً هي قيد التطوير حالياً. وقد وصل 11 منها إلى المراحل النهائية من التجارب السريرية وتبدو المؤشرات واعدة: إذ يُقدَّر أن يبدأ إعطاء الجرعات الأولى بداية العام القادم. لكن يستبعد أن تكون هذه اللقاحات حلاً سحرياً يسمح للعالم فجأة بالعودة إلى وضع طبيعي. وكبداية، نصّت الوكالات الأمريكية والأوروبية الناظمة على أن يكون الحد الأدنى لمعدل فعالية اللقاح 50 في المئة فقط. ومعنى هذه من الناحية الفعلية أن احتمال إصابة الناس الملقَّحين بالمرض هو نصف احتمال إصابة غير الملقحين. لذلك، فالأمل أن تكون فعالية اللقاحات الأولى أعلى بكثير، كما يبدو الوضع مع لقاح (فايزر بيو أن تيك)، الذي قيل أن فعاليته تبلغ نسبة 90 في المئة. مع ذلك، مازالت هناك مناطق رمادية في فمهنا للفيروس، فالبيانات مازالت غير متوفرة، ومازال غير واضح ما إن كانت جميع اللقاحات تقدم نفس مستوى الحماية للناس الأكبر سناً، وهم الأكثر عرضة للأشكال الأكثر شدة من المرض والأكثر عرضة لخطر الموت.

من غير المحتمل الاستئصال الكامل لكوفيد-19

بدون الخوض في الكثير من تفاصيل علم المناعة، طُوِّرت هذه اللقاحات الأولية وتم تقييم قدرتها على الحيلولة دون حدوث أعراض للناس، وهي لا تحول بالضرورة دون أن يصابوا بالمرض أو أن يكونوا مُعدين أثناء إصابتهم.

وما زال هناك العديد من الأسئلة غير المجاب عنها حول العلاقة بين الأعراض السريرية لكوفيد-19 وانتقاله. لكن هناك أدلة متنامية على أن الأطفال قد يصابوا بالفيروس وينقلوه، حتى لو كانت الغالبية العظمى منهم لا تظهر عليهم أعراض. وعلى نحو مماثل، قد يكون البالغون الملقَّحون بدون أعراض لكن معدون. وقد يكونون محميين ضد الفيروس أنفسهم لكنهم قد يحملوه وينقلوه إلى الآخرين دون أن يعلموا. وبناءً على المعلومات المتوفرة حالياً، حتى لو أُعطيت هذه اللقاحات لكل شخص في العالم فهناك فرصة ضئيلة أن يُستأصل الفيروس على مستوى العالم. ومن أجل سياسة لقاح مثالية، ينبغي أن تتم حماية الأشخاص المعرضين لخطر الشكل الشديد من المرض، بدلاً من محاولة السيطرة على الفيروس. وفي هذه المرحلة من الجائحة يجب أن تكون أولوية إعطاء اللقاح لكبار السن والمصابين باعتلالات مشتركة معينة، الذين يعيشون في مناطق معدل انتقال المرض فيها مرتفع، وعمال الرعاية الصحية المخالطين للمرضى المصابين. إن حماية هذه المجموعات بلقاح فعال قد تحد من العبء العالمي للمرض وبالتالي معدلات الوفيات. لكن هناك خطر أن يستمر الفيروس في الانتشار ضمن عامة الناس، مثل أنواع فيروس كورونا الأخرى المسؤولة عن الرشح والزكام.

هل اللقاح هو الحل الوحيد؟

هل تصب اللقاحات في الصالح العام العالمي؟ الإجابة المختصرة هي ربما لا. وحتى قد يبدو أنه من غير المنطقي قليلاً مناقشة هذه المسألة في الوقت الراهن – فهذه اللقاحات غير موجودة بعد، وهناك الكثير من الغموض المحيط بأثرها المحتمل. وسواءٌ كان الدافع وراءها الربح، أو رغبة بتخفيف الآثار المدمرة للجائحة، أو كليهما، فقد طوِّرت اللقاحات المرشحة الواعدة بسرعة مثيرة للإعجاب. لكن حتى لو وصل لقاح فعال قريباً، ونظراً لمحدودية قدرة الإنتاج العالمية، فإنه لن يكون متاحاً على نطاق واسع بما يكفي قبل عدة أشهر، وحينها قد يكون وضع الجائحة قد تغير كثيراً.

إن الترويج للقاحات بطريقة هجومية على أنها تصب في الصالح العام هو أمر يضخّم أهميتها، ويخلق توقعات غير واقعية ويزيد من الضغوط السياسية. ويعطي أولوية كبيرة، إن لم تكن مفرطة، لاستثمار أموال عامة في القطاع الخاص حصراً، أي في قطاع الصناعات الدوائية، على حساب تدابير أخرى لازمة من أجل تخفيف حدة الأزمة، لا سيما، تطوير علاجات محددة ورعاية صحية فعالة للمرضى المصابين بالمرض.

اللقاح الشامل والاستجابة الطبية الحيوية

بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، التي أيضاً لا تواجه أيضاً عدداً كبيراً من الحالات الشديدة من كوفيد-19، فإن تخصيص موارد عامة (تعاني من الشح أصلاً) لتحصين السكان هو أمر لا يحظى بمبررات كافية. وبالأخص عندما يكون الأثر الاجتماعي والاقتصادي للجائحة على الأفراد كبيراً في هذه السياقات حيث لا يوجد نظام ضمان اجتماعي لتوفير الحد الأدنى من شبكة الأمان. وعلاوة على ذلك فإن الجانب الأخلاقي في التوصية بأخذ لقاحات جديدة، والآثار طويلة الأمد ومنها ما هو غير معروف للأفراد الذين يُستبعد أن يصابوا بأكثر من مرض خفيف الأعراض، ينبغي أن تُدرس بعناية.

في هذه المرحلة، لا توجد فائدة واضحة للبشرية من ترويج توفير عالمي شامل للقاحات. مع ذلك ستكون هذه اللقاحات مفيدة في مكافحة الجائحة: فحماية المعرضين للخطر تعني أنه بإمكان المجتمعات أن تعيش مع الفيروس، لا أن تموت منه. وأياً كان، فإنه يمكن للقاحات أن تعطي منفعة حقيقية فقط إذا ما أعطيت كجزء من استجابة منطقية وشاملة، تأخذ في الاعتبار العوامل الطبية الحيوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومصممة بما يناسب الوضع المحلي فيما يخص الأزمة الصحية وتداعياتها.