تمرير

بنغلاديش: الحب هو كل ما تحتاجه

19 نوفمبر 2017
تدوينة
الدول ذات الصلة
بنغلاديش
شارك
طباعة:

منذ شهر أغسطس/آب 2017، عَبَر أكثر من 500 ألف لاجئ روهينغي الحدود من ميانمار إلى بنغلاديش هرباً من العنف في بلادهم. إيان كروس هو طبيب يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في عيادة تعالج اللاجئين. وفيما يلي يروي لنا قصة مريضة مميزة.

لم يكن ... للطفلة النحيلة ذات العشرة أعوام وهي مستلقية على سرير في غرفة معتمة في مرفق الرعاية الصحية الذي تديره أطباء بلا حدود في مخيم كوتوبالونغ في إقليم كوكس بازار في بنغلاديش. فبعد أن فرَّت مع عائلتها عبر الحدود قبل أحد عشر يوماً إثر ارتفاع حدة العنف في ولاية راخين في ميانمار، تم إدخالها العيادة إذ كانت تعاني من تشنجات مؤلمة في عضلات العمود الفقري تجعلها تحني ظهرها وتسبب لها انقباضاً في عضلات الفك وتشنجاً في الأطراف.

كان هذا مرض الكزاز، وهو مرض تم تقريباً القضاء عليه عالمياً بفعل اللقاحات، لكن ليس في شمال غرب ميانمار، موطن هذه الطفلة. نجعل الغرفة معتمة وهادئة للحد من تهييج الحواس الذي من شأنه إثارة نوبة أخرى من التشنجات.

كان التوتر في ذراعيها يتحسن، لكن ساقيها كانتا مشدودتين وأصابع قدميها مشدودة ومتصلبة. حاولت أن تأكل بعض الطعام أمس لكنها لم تستطع أن تفتح فمها بما يكفي. نظرت الطفلة إلى والدها الذي كان يجلس متربعاً بجوارها على الفراش. بدأت الدموع تسيل على خديه. كنا نقوم بكل ما بوسعنا لتسريع تعافيها، لكن النتيجة كانت بطيئة.

نظرت الطفلة إلى والدها وقالت له بضعة كلمات من خلال أسنانها المصرورة.

فسألت المساعد الطبي للكوادر، زميلتي البنغلاديشية الدكتورة شارما شيلا:

"ماذا قالت الطفلة؟"

فأخبرتني أنها طلبت من والدها أن يحتضنها.

بدا الوالد في ذهول، فهو لا يريد أن يتسبب لها بنوبة تشنجات جديدة. فقمت برفع الطفلة برفق إلى حضن والدها وطلبت منه أن يحتضنها.

bangladeshmsf212067.jpg
الطفلة الصغيرة ووالدها. الصورة: إيان كروس/أطباء بلا حدود

انتقلتُ إلى المريض الآخر في الغرفة، وهو طفل يبلغ من العمر شهراً واحداً ويعاني من الكزاز الولادي. لو أن أمه أخذت لقاح الكزاز أثناء الحمل لما أصيب الطفل به. لكن وللأسف لم تكن رعاية ما قبل الولادة متوفرة في مناطق الروهينغيا في ميانمار.

أمضيت بعض الوقت محاولاً أن أعلم الطفل كيف يرضع الحليب مستخدماً أصبعي الصغير. فإن تمكن من ذلك، فربما يصبح قادراً على التقاط حلمة ثدي أمه بشكل صحيح والرضاعة. بعد عشر ثوانٍ بدأ يستوعب الفكرة وشرع يمتص بقوة وتناغم. وقد سُرَّت أم الطفل عندما شاهدت التقدم الحاصل بعد أن كانت ولمدة ثلاثة أسابيع ترضعه عن طريق أنبوب أنفي معدي.

بينما كنا على وشك المغادرة، ألقيت نظرة على الطفلة الصغيرة وهي بين ذراعي والدها، ودُهِشتُ لما رأيت. فقد خفَّ التشنج العضلي بما يكفي لكي تثني ركبتيها بمقدار 60 درجة. أما فكها لم يعد منقبضاً وكانت تبتسم لوالدها بشكل واضح.

كادت الدموع تتدفق من عيني. فالحب قد لا يكون عقاراً لكن له قوة تماثل قوة أي دواء.

bangladeshaftermsf212054.jpg
بعد ثلاثة أسابيع قضتها الطفلة في المستشفى وكانت حالتها خطيرة جداً بحيث لم يكن متوقعاً أن تنجو، تحسن وضعها بشكل كبير. وفي الصورة نراها تلتقي الدكتورة جوان ليو، رئيسة منظمة أطباء بلا حدود. وعلَّقت جوان على سبب انجذابها للطفلة الصغيرة بينما كان والدها يساعدها بفخر على المشي في أنحاء العيادة: