تمرير

بنغلاديش: "الآن، ليس باستطاعة أحد أن يعتدي عليّ" - استشارات نفسية للناجين من العنف القائم على أساس الجنس في داكا

14 أكتوبر 2017
قصة
الدول ذات الصلة
بنغلاديش
شارك
طباعة:

تقول صالحة، متحدثة بسرعة في فترة ما بعد الظهيرة مرتفعة الحرارة:

"من قبل لم تكن لدي الجرأة على مساعدة النساء الأخريات لأنني كنت خائفة من زوجي. لكنني الآن تجاوزت كل مخاوفي ومصادر قلقي."

صالحة مريضة في عيادة النساء التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في كامرانغيرتشار، الحي الفقير المكتظ بالسكان جنوب داكا، عاصمة بنغلادش.

في ثلاث غرف مطلية بألوان ساطعة، يدعم الفريق هناك نساء مثل صالحة، أي ناجيات من العنف القائم على أساس الجنس. ورغم أن ذلك قد يشمل نساء ناجيات من اعتداءات جنسية من الغرباء، إلا أنه في كامرانغيرتشار يعني بشكل أساسي النساء اللواتي تعرضن للاعتداء في منازلهن من قبل أزواجهن أو أحد أفراد عائلتهن الآخرين.

نجت صالحة من اعتداء والدها أولاً ومن ثم زوجها ثانياً. إن حالتها، كالكثير من النساء اللواتي يأتين إلى العيادة.

وشرحت إحدى الطبيبات النفسيات في العيادة ميتو الأمر قائلة، "إننا نرى الكثير من هذه الحالات: تتعرض نساء يافعات إلى الاعتداء من قبل شريكهن وبعض أعضاء عائلاتهن الآخرين، مما يعرضهن لخطر الإصابة ببعض الأمراض النفسية. لذلك تصاب هؤلاء النسوة بالكآبة والقلق وأحياناً وصلن بشكل كبير إلى خطر الانتحار."

كان للعنف أثر مدمر على صحة صالحة النفسية. وتوضح ذلك قائلة، "لقد كان يطردني من المنزل كلما انتابته نوبة غضب. كنت أُضرب وأُعنف لفظياً على الدوام. فيما بعد صرت آخذ حبوباً منومة أو أجرح يدي أو أحاول شنق نفسي. لم أستطع إخبار أهلي بالأمر لأن السبب وراء ذلك كله كان بالأصل زواجي."

بالنسبة إلى الكثير من النساء، لا يقف الأمر على أثر العنف الجسدي الذي يواجهنه وإنما يؤثر ذلك أيضاً على صحتهن النفسية. فرغم أنها كانت طالبة جيدة، إلا أن زوج صالحة أجبرها على قطع دراستها لإنجاب طفل. وقالت، "لقد ظننت أنه قد يتغير بعد مجيء الطفل." لكنه ضربها عندما كانت حاملاً.

يلعب أفراد العائلة دوراً أيضاً. فأم زوج صالحة لم توافق يوماً على الزواج، وجوعت صالحة بتخبئة طعام العائلة منها.

وكما تظهر تجربة صالحة، فإن عنف الشريك يتجاوز السلوكيات الجنسية أو الجسدية، وإنما يشمل كل أنواع السلوكيات العنيفة، والتي تضم الاعتداء العاطفي، والتحكم، والإجبار، والابتزاز المالي.

وقد وجدت دراسة إحصائية واسعة النطاق في بنغلادش أن 72% من النساء قد واجهن نوعاً من العنف من شركائهن في الشهور الاثني عشر الأخيرة. وفي دراسة إحصائية أخرى، وافق 61% من الرجال بشدة على عبارة، "هناك أوقات تستحق المرأة فيها الضرب."

لكن بالرغم من انتشار المشكلة وشدتها، إلا أنها لا تناقش على نطاق واسع. وقد أفادت 73% من النساء اللواتي جرى سؤالهن في دراسة إحصائية ببنغلادش أنهن قد تكتمن عن العنف الذي واجهنه ولم يخبرن أحداً عمّا مروا به. وقد شرحت ليا، إحدى المستشارات الشغوفات والملتزمات في فريق العيادة، بعض الأسباب وراء ذلك بقولها:

"إن هؤلاء النسوة لا يعرفن أن ما مررن به هو نوع من العنف، بل يحسبن أن من حق أزواجهن ضربهن – أن ضربهن هو حقه الأخلاقيّ. هناك، خصوصاً في كامرانغيرتشار، الكثير من حالات الاغتصاب التي تتم على يد الأزواج، لكن الضحايا نادراً ما يكن مستعدات لتقبل فكرة أن أزواجهن يمكن أن يغتصبهن أيضاً. ولا يفهمن أنهن ضحايا عنف."

هناك بالإضافة إلى ذلك محدودية في خيارات النساء اللاتي يعانين نتيجة علاقات تسبب لهن الأذى. فأغلبهن ليست لديهن الموارد المالية للعيش وحيدات، ولن تقبل العائلات بتمويلهن أو دعمهن. حتى عندما لا تكون الموارد المالية مشكلة، إلا أن الوصمة السلبية حول المرأة المطلقة في بنغلادش هائلة، وقد تجعل بعض الأشياء الأساسية كاستئجار شقة في مكان ما أمراً صعباً. ومحدودية الخيارات هذه تدفع الكثيرات من النساء للبقاء في علاقات عنيفة، تعزلهن وتجبرهن على التأقلم.

وقالت مديرة الصحة العقلية للمشروع سيندي:

"لقد سألتني كثيرات، "ما الذي يمكننا فعله؟ لن يتغير الحال. لم تقومين بتوفير خدمات لمرضى سيرجعون إلى نفس الموقف مراراً وتكراراً؟""

لكن الاستشارات بالنسبة لنساء مثل صالحة قد يكون لها مفعول كالسحر.

msf210547.jpg
ناهيدة أكتر، عاملة التوعية في منظمة أطباء بلا حدود في كامرانجيرشار، وهي منطقة فقيرة في جنوب دكا.

تقول صالحة:

"لقد زالت صدمتي النفسية. بعد المجيء إلى العيادة، صارت لدي الشجاعة لتجاوز هذا الصراع اليومي. لقد تعلمت التعامل مع عنف زوجي."

وفي حين أنهن قد يمررن بتجارب عنيفة في منازلهن، إلا أن جلسات الاستشارة النفسية تمنح هؤلاء النسوة فسحة للحديث، لفهم تجاربهن ومناقشة خطط الأمان. وحسب تعبير فاطمة، إحدى أعضاء الفريق الاستشاري، "دراسة طرق التعايش مع هذه المشاكل بشكل أفضل جسدياً ونفسياً."

هذا بحد ذاته يمكن أن يساهم بحماية النساء أكثر قليلاً حسب رأي ميتو. فالكآبة والقلق تزيد من احتمال تعرضهن للعنف لأنهن "ربما يعزلن أنفسهن عن الحياة اليومية، ويمتنعن عن العمل، مما قد يؤول إلى مشاكل أكبر في الحياة العائلية."

إن الاستشارة التي تساعد النساء على التواصل مع عائلاتهن لا تساهم في إبقائهن آمنات فحسب، وإنما هو أفضل لأبنائهن أيضاً.

تقول سيندي:

"عادة ما تقوم الأمهات عندما يشعرن بالضغط بسبب العنف الذي يمررن به من قبل شركائهن بتوجيه العنف إلى أبنائهن. لقد أظهرت الدراسات أن العيش في بيئة عنيفة له آثار مدمرة على نمو الطفل. فهو سيضعف التركيز في المدرسة وسيصبح عنيفاً ويعاني وكأنما هو الضحية المباشرة للعنف. لذلك فإن الأطفال هم الجيل التالي من أعضاء العائلة المصابين بالصدمات، الذين سيقومون – على الأغلب – بتكرار هذه الأنماط السلوكية."

تقول صالحة، وهي تتذكر كيف كان يضربها زوجها أمام ابنتها الصغير:

"كان الأمر مؤلماً جداً. كنت أفكر: هي بنت صغيرة جداً. عندما ستكبر، ما الذي ستكون قد تعلمته؟ ما واجهته في طفولتي... هل ستكبر لتواجه نفس موقفي؟ لا أريد لابنتي أن تكبر في جو كهذا."

يأمل الفريق الطبي في كامرانغيرتشار أن يوسع نطاق خدماته الاستشارية وأن يقدم جلسات مخصصة لتلبية احتياجات الأطفال الذين يعيشون في منازل يسكنها العنف. أما في الوقت الحالي، فيستمرون بمحاولة الوصول إلى الأكثر عرضة للخطر. وبالإضافة إلى الخدمات الاستشارية، فالعيادة تقدم الرعاية الصحية للأمهات حديثات الولادة والمتوقعات، وتستهدف خدماتها النساء اللواتي يصغر عمرهن عن الـ 25 عاماً. وكما تظهر الأعداد الصغيرة في حجرة الانتظار، فالكثيرات أصغر من ذلك بكثير.

وبينما ينتظر المرضى حلول مواعيدهم، تقوم المستشارات باستغلال وجود جمهورهن في قاعات الانتظار. وباستخدام مجموعة من الصور المرسومة بألوان ساطعة، تبدأ ليا بالحديث إلى النساء والفتيات عن الزواج المبكر والصحة النفسية وعنف الشركاء. وسرعان ما يشترك الحضور الذي يبدأ خجولاً، ثم يتشجع رويداً، ويجيب عن أسئلة ليا. خلال مواعيدهن الطبية، تُسأل هؤلاء النسوة عن أوضاعهن في المنازل، وتقدم إليهن إحالة إلى جلسات الاستشارة إن كن بحاجة إليها.

في هذا العام بدأت أكثر من 600 امرأة مرت بتجربة عنف من شريكها بأخذ جلسات استشارة في كامرانغيرتشار. ويعمل الفريق بكل جهده على توعية المجتمع والتعريف بالخدمات المتاحة لدى المركز. باييل، مديرة المعلومات والاتصالات والتعليم، ترى أن تغيير نظرة الناس هي أكبر المصاعب.

"عادة ما تظن النساء أنهن يستحقن ما يمرن به لأن مقترفي العنف ضدهن يُشعرهن بذلك. الذنب ذنبك لأني ضربتك. الذنب ذنبك أنك تصرفت بهذه الطريقة. تحطيم هذه الفكرة صعب جداً. إننا نظن أن إزالة مثل هذه الأشياء سيأخذ فترة طويلة. لكننا نحاول ابتكار استراتيجيات مختلفة لإزالتها وكلنا أمل بأننا سننجح بالقيام بذلك يوماً ما."

صالحة كلها أمل أيضاً.

"في بنغلادش كانت النساء أو الزوجات يقلن، متى سنذهب؟ لا نستطيع الذهاب إلى أهالينا، لذلك علينا تحمل هذا العذاب. رأيي مختلف تماماً. لدى النساء القدرة على المقاومة. لِمَ عليهن أن يتحملن سطوة أزواجهن وقمعهم؟ لِمَ لا يخرجن من هذه المواقف؟

من المهم تغيير عقليات النساء. على النساء أيضاً أن يتقدمن ويظهرن قوتهن للرجال."