تمرير

تجربتي في مستشفى الأمومة... والكثير من الأطفال

20 فبراير 2018
تدوينة
الدول ذات الصلة
أفغانستان
شارك
طباعة:

هيذر طبيبةُ نسائية وتوليد تعمل حالياً مع أطباء بلا حدود في خوست في أفغانستان...

بدأ هذا اليومُ كغيره من الأيام: استيقظت في الصباح، وارتديت ملابس العمل وتناولت كوباً من القهوة ومشيت من المجمع السكني إلى المستشفى. الأمر المميز في هذا اليوم هو أنه سيكون آخر يوم لي في خوست. لقد مرَّت الأسابيع التي قضيتها في أفغانستان سريعة وشعرت بالحزن لأني سأغادر. لم أكن أتخيل أن آخر يوم لي في مستشفى الأمومة في خوست سيكون يوماً لا ينسى.

msf-inside-wall.jpg
لافتة أطباء بلا حدود داخل مجمع المستشفى

كانت غرف المخاض والولادة مليئة بالمرضى والردهات مليئة بالمرافقين. كانت وحدة الأمومة تعج بالحركة اليومية، لكنها لم تكن بنفس درجة الانشغال التي شهدها اليوم الذي سبقه حيث وضعت 99 امرأة مواليدهن في ظرف 24 ساعة في مستشفى خوست الذي تديره أطباء بلا حدود! واليوم تبدو الأعداد طبيعية حسب المعدل اليومي وهو 60 إلى 70 ولادة.

وخلال الجولات المعتادة، أشارت إلينا إحدى القابلات وطلبت منا تقييم وضع امرأة حامل لديها بعض النزيف. كان هذا حملها الخامس وقد بدت بطنها أكبر من أن تضم جنيناً واحداً. قمنا بفحص بطنها بجهاز الأمواج فوق الصوتية وكما توقعنا فقد كان هنالك أكثر من جنين، كان هنالك ثلاثة. كان الأجنة غير مكتملي النمو بعد الأمر الذي أقلقنا كونها كانت في المراحل الأولى من المخاض. قررنا أن نعطيها جرعة من المنشطات لتساعد في اكتمال رئات الأجنة في حال ولدتهم قبل موعدهم، وأن نعطيها بعض الأدوية لمحاولة وقف التقلصات.

gynecologists.jpg

كنا على وشك استئناف الجولة على المرضى عندما استوقفتنا قابلة أخرى وٍالتنا ما إذا كنا سمعنا عن المريضة التي وصلت للتو إلى غرفة الولادة. ثم أردفت (بالإنكليزية) بلكنة بشتونية ثقيلة: "بطنها ممتلئة، هيا بسرعة بسرعة. لديها أربعة أطفال"!

توجهنا بسرعة نحو غرفة الولادة لنرى المريضة وعندما وصلنا كانت القابلة تُخرج الطفل الأول بالوضع الرأسي. أظهر فحص سريع بالموجات فوق الصوتية أن لدى المريضة أربعة أجنة، أي مازال هنالك ثلاثة آخرون داخل رحمها. كان الأجنة الآخرون في وضع جانبي وفي وضع مجيء قدمي، وبحاجة إلى بعض المساعدة للولادة. تناوبنا أنا وزميلتي أخصائية النسائية على توليد الطفلين الثاني والثالث بإمساكهما من قدميهما ثم تقديم الإنعاش لهما ولأخيهما. كانوا جميعهم ذكوراً ووزنهم تراوح بين 1.1 كيلوجرام و 1.5 كيلوجرام. ولسوء الحظ كان الطفل الرابع أصغر حجماً بشكل واضح من الثلاثة الآخرين ولديه عدة عيوب خلقية وقد ولد ميتاً.

img_9866.jpg
الأشقاء الثلاثة الذين عاشوا من أصل أربعة توائم

khost-pediatricians.jpg
فريق أطباء الأطفال في مستشفى خوست

حالما نقلنا الأشقاء الثلاثة إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، عدنا لتفقد مريضتنا ذات التوائم الثلاثة. بدا عليها عدم الارتياح أكثر مما كانت عليه عندما رأيناها آخر مرة أي قبل ساعة تقريباً. كانت رحم المريضة قد اتسع بمقدار عشرة سنتيمترات الآن وأصبحت مستعدة للولادة. قمنا بتوليد الأطفال الثلاثة طبيعياً (وجميعهم ذكور مشاكسون) وهم بصحة جيدة يزن كل واحد منهم 1.5 كيلوجراماً! بعد الولادة كنت بجوار الأم التي كانت فرحة جداً وقد أصبح لديها ثمانية أولاد الآن (فعندها خمسة أولاد آخرين في البيت) فأمسكَت يدي بقوة وابتسمت وهي تشدني باتجاهها لتعانقني بحرارة. تأثرتُ كثيراً بهذا الموقف، فبالرغم من الحواجز اللغوية، دائماً ما أشعر بالدهشة من إمكانيتنا جميعاً من التواصل بنجاح.

big-baby.jpg
ليس جميع الأطفال في خوست صغيري الحجم – في الصورة أكبر طفل ولَّدته على الإطلاق وقد ولد ولادة طبيعية – وزنه 5.8 كيلوجرام. وعلى الأغلب أن الأم كان لديها سكري غير مشخص.

كان الوقت بعد الظهر بقليل وكان الوضع حينها هادئاً بما يكفي لأغادر جناح المخاض والولادة بسلام، وأتفقد مجموعتَي الأشقاء التوائم في وحدة العناية المركزة. وقد كان الطاقم المختص قام بوضع الأنابيب الوريدية للأطفال. كانوا يراقبون عن كثب مستويات السكر لديهم ويدعمون تنفسهم بالأكسجين. تحدثت بشكل مقتضب مع الكادر المحلي من أطباء الأطفال الذين كانوا مشغولين في متابعة الأطفال الستة الجدد الذين أُدخلوا الوحدة إضافة إلى 28 طفلاً آخر موجودين مسبقاً. وبالمجمل كان الأطباء سعيدين تجاه وضع هؤلاء الأطفال الذين كانوا صغاراً في الحجم لكن أقوياء.

كانت الشمس قد غربت عندما انتهيت من الجولة الأخيرة على المرضى المقيمين وسلَّمت المهام للفريق الليلي. مشيت بعدها كالمعتاد إلى المجمع السكني لآخر مرة وكنت أستشعر أنه اليوم الأخير لي في خوست. كنت سعيدة لأننا ساعدنا في ولادة ثلاثة توائم وأربعة توائم ولادة طبيعية وتجنبنا إجراء عملية قيصرية. لكن حالما ينتهي عمل طبيب التوليد يبدأ دور الفريق المختص بحديثي الولادة. إننا محظوظون بأن لدينا هذا الفريق البارع من أطباء الأطفال الذين يساعدون هؤلاء المواليد الخُدَّج على أخذ فرصتهم في الحياة.

back-of-msf-person.jpg
منظر لمدينة خوست في أفغانستان

معظم النساء في أفغانستان لا يحصلن على الرعاية الصحية أثناء الحمل. ومن كل ثلاث ولادات هناك ولادتان تحصلان في المنزل بدون مساعدة قابلة مختصة للتعامل مع أية مضاعفات محتملة. وعندما يقع أمر طارئ ما، تضطر النساء للسفر مسافة طويلة على طرق خطرة للحصول على الرعاية الطارئة التي يحتجنها. لذلك من غير المفاجئ أن أفغانستان واحدة من الدول الأخطر في العالم لولادة المرأة. ويقدر عدد وفيات الأمهات بـ 396 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية في أفغانستان. في المقابل يبلغ المعدل في كندا 7 وفيات لكل 100 ألف ولادة حية (منظمة الصحة العالمية، 2015).