هرباً من القنابل إلى الأروقة الموحشة: نازحون بلا مساعدات في زالنجي، السودان

Sudan
تمرير
20 مايو 2024
الدول ذات الصلة
السودان
شارك
طباعة:

تقدم فرق منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الطبية في مستشفى زالنجي التعليمي في السودان، كما تدعم وزارة الصحة بإعادة تأهيل طواقمها وتدريبهم وتقديم الحوافز المالية لهم. إذ أعادت فرق المنظمة افتتاح غرفة الطوارئ وجناح الأمومة ومركز التغذية العلاجية الداخلي وأقسام طب الأطفال في أبريل/نيسان.

فقبل عام، وما أن بدأ القتال في السودان بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في أبريل/نيسان 2023 حتى وجد النازحون في مخيم الحصاحيصا في زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، أنفسهم وقد علقوا وسط تبادل إطلاق النار. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، كانت قوات الدعم السريع قد صار لها أشهر وهي تحاصر المخيم، الأمر الذي جعل الجرحى غير قادرين على التماس الرعاية الطبية خارج المخيم ومنع وصول إمدادات المياه والغذاء إلى الناس، وفقاً للأمم المتحدة1.

وقد فرغ مخيم الحصاحيصا من قاطنيه في نهاية المطاف بعد أن نجحوا في الفرار من أعمال القصف المتواصل، تاركين وراءهم بيوتاً من الطوب مدمرة وشوارع خاوية كما في مدن الأشباح، علماً أن المخيم كان يوماً مأوى لما يقدر بنحو 50,000 شخص معظمهم كانوا قد نزحوا في أوائل الألفية. الآن وفي غياب أي مكان آخر، يحتمي هؤلاء الناس منذ أشهر في مدارس ومصارف ومراكز إطفاء منهوبة ومهجورة وفي مخيمات أخرى في المدينة.

 

نزوح واسع النطاق والبقاء على قيد الحياة دون مساعدات

في ليلة الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، امتطت أيسة وأسرتها عربات تجرها حمير وهربوا من المخيم. تعرضت معظم مقتنيات أيسة للسرقة ولم يبقَ في حوزتها سوى فراش ضاع منها لاحقاً على الطريق. تبعت أمها وأطفالها وهم يقودون الطريق.

تتذكر أيسة البالغة من العمر 50 عاماً ما حدث، قائلة: "طاردونا وأجبرونا على الرحيل. وقُتل بعض رجالنا، فيما اعتُقل آخرون. أُخذت أغراضنا وسُرقت. وفيما كنا نهم بالمغادرة، أوقفونا [رجال مسلحون] واضطررنا للانتظار حتى الصباح. كبلوا [الناس] وضربوا الصبية الصغار".

 

تقيم أيسة وعائلتها منذ أكثر من ستة أشهر في حاوية شحن واحدة تقع في مركز إطفاء زالنجي المُدمّر. ومثلهم مثل 6.5 ملايين نازحٍ في السودان، يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي لا تزال غير متوفرة في الكثير من المناطق. تؤمّن أيسة قوتها بالعمل هنا وهناك في أشغال لا يعوّل عليها، ولا يتوفر لهم لا ماء ولا غذاء ولا خدمات أساسية، بما فيها الرعاية الطبية.

وتشرح أيسة قائلة: "لا مجال لكسب الأموال. جلّ ما نفعله هو أن نخرج ونهوم على أوجهنا في المدينة. وإن عثرنا على من يرغب بأن نغسل ملابسه، فسنفعلها أملاً في كسب بعض المال".

وعلى الطرف الآخر من الشارع، قبالة مركز الإطفاء، تحتمي نجوى البالغة من العمر 30 عاماً وأطفالها الثلاثة في مصرف المدينة المسروق برفقة 30 نازحاً آخر من مخيم الحصاحيصا. ويبدو أنها حولت المصرف إلى بيت وهمي، فقد صارت خزنات أمواله خزائن للملابس، وأضحت نوافذه المغلقة بالطوب التي كانت يوماً منفذاً لأشعة الشمس عتباتٍ تتكئ عليها بعض الأكياس وبضعة نباتات قد ذبلت.

تشرح نجوى مشيرةً إلى الصفائح الممزقة التي تكسو البهو: "نعيش في هذه الظروف دون سقف على رؤسنا وليس لدينا طعام. لكننا لم نتلسم أية مساعدات، ولا حتى صابونة. سيبدأ موسم الأمطار عما قريب ولا نعلم إلى أين يمكننا أن نذهب".

 

محرومون من الرعاية الطبية والأدوية

تقف جامعة زالنجي وسط المدينة وقد أقفرت بعد أن كانت يوماً مركزاً لطلاب الطب والزراعة والتقنية. صار مدرجها مستودعاً لرزم التبن الذي يستخدم علفاً للحمير، فيما تمتد حبال الغسيل بين مباني حرمها الجامعي.

تحولت الجامعة إلى ملجأ عشوائي، فيقطن غرفها الدراسية ومكاتبها أكثر من ألف شخص معظمهم نازحون من مخيم الحصاحيصا. أكثر هؤلاء الناس مزارعون، لكنهم غير قادرين اليوم على زراعة المحاصيل بانتظام وكسب لقمة عيشهم. ويعتمد الناس على بعضهم بعضاً نظراً لغياب المساعدات الإنسانية.

يشرح محمد، وهو من أوائل من التجأ إلى الجامعة، فيقول: "نساهم جميعاً ويمكن لكل من يساهم أن يتقاسم [الأدوية]. نتشاركها مع الأهالي ونعالج المرضى".

على بعد 10 دقائق ليس إلا، تنتظر خديجة خروج ابنتها ملكة من مستشفى زالنجي التعليمي. إنه اليوم الأول لإعادة افتتاح فرق أطباء بلا حدود غرفة الطوارئ التي أعيد تأهيلها، وملكة من أوائل المرضى هناك. نزحت خديجة واضطرت إلى بيع ما تبقى من مقتنياتها كي تؤمن المال، لكنها لم تستطع شراء الأدوية لابنتها.

وتقول خديجة: "قطعت مسافة تزيد عن الساعة كي أصل إلى مستشفى زالنجي التعليمي لعلاج طفلتي التي كشفت الفحوصات إصابتها بالملاريا. كنا نتلقى الأدوية بالمجان في مخيم الحصاحيصا [الذي كانوا يقيمون فيه سابقاً]. بيد أن الأمر مختلف هنا في زالنجي. لكننا اليوم [ولأول مرة] نتسلم أدوية مجانية".

 

دعم نظام صحي منهار

وسط العنف واسع النطاق الذي تشهده السودان، تتعرض طواقم ومرافق الرعاية الصحية للهجوم والنهب، الأمر الذي أدى إلى دمار أجزاء كبيرة من النظام الصحي أو إخراجها عن الخدمة. فقد تعرض مستشفى زالنجي التعليمي للنهب مرات عديدة خلال الحرب، وهو مركز الرعاية الصحية التخصصي الوحيد في ولاية وسط دارفور.

وبعد أن تعرض للسرقة مرة أخرى في مايو/أيار 2023، بذل طاقم وزارة الصحة أقصى ما في وسعه لإبقاء المستشفى مفتوحاً حيث حشدوا المتطوعين من مختلف أنحاء المدينة، ومنهم الممرضى أسماء البالغة من العمر 21 عاماً. تعرض المستشفى للهجوم مرة أخرى بعد أسابيع قليلة من تعرضة للسرقة في مايو/أيار، وقد أدى الهجوم هذه المرة إلى وفاة أحد المرضى.

 تتذكر أسماء قائلة: "كنت أحضر أحد المرضى إلى ممر غرفة العمليات حين أصيب الطبيب بطلق ناري في الرقبة وهو يجري عملية قيصرية. بعدها فارق المريض الحياة في الممر".

وسعياً منها لإعادة خدمات الرعاية التخصصية إلى الولاية، تعمل فرق أطباء بلا حدود على توفيرها في مستشفى زالنجي التعليمي، كما تدعم وزارة الصحة بتدريب طواقمها وتقديم الحوافز لهم، إلى جانب إعادة تأهيل غرفة الطوارئ وجناح الأمومة وأقسام طب الأطفال. وفي أبريل/نيسان، وفرت منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 900 استشارة طبية طارئة، وحوالي 400 حالة إدخال للأطفال، ونحو 100 حالة ولادة آمنة، وعالجت أكثر من 50 طفلاً من سوء التغذية في مركز التغذية العلاجية للمرضى المقيمين.

ويشرح منسق الطوارئ في أطباء بلا حدود فيكتور غارسيا ليونور: "عطلت الحرب خدمات الرعاية الصحية تماماً في السودان. وقد قفزت أسعار الدواء والغذاء قفزة كبيرة حتى صار تأمينها مستحيلاً لا سيما على النازحين، ولم تعد معظم المرافق الصحية تعمل بشكل صحيح. كما تواجه البلاد فراغاً إنسانياً، مما يفاقم احتياجات الرعاية الصحية الهائلة التي لا تجد من يلبيها".

ورغم كون السودان إحدى أكبر أزمات النزوح في العالم، غير أن العديد من المنظمات الإنسانية لم تعد إلى البلاد منذ أن أجلت طواقمها عند اندلاع الحرب السنة الماضية. اليوم وبعد مرور أكثر من عام على بدء الحرب، لا تزال السودان تواجه فراغاً إنسانياً.

 

هذا وتواصل أطباء بلا حدود دعواتها إلى جميع أطراف النزاع والمتحاربين إلى احترام وضع الحماية الخاصة التي تحظى بها طواقم الرعاية الصحية والمرافق الطبية بموجب القانون الإنساني الدولي، والحرص على وصول العاملين الإنسانيين بأمان إلى كافة مناطق السودان دون استثناء، ووقف العراقيل التي تواجه دخول الإمدادات والطواقم. كذلك، وحرصاً على وصول المساعدات الإنسانية إلى الناس، يتعين على الأمم المتحدة أن تسارع فوراً إلى الارتقاء بعملياتها والتركيز على تحقيق نتائج واضحة كي تسهم إسهاماً فاعلاً في تسريع وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية.

 


  1. https://data.unhcr.org/en/documents/download/103953