جمهورية أفريقيا الوسطى: مداواة الجروح الظاهرة وغير الظاهرة الناجمة عن العنف الجنسي

msb32345high.jpg
تمرير
18 أبريل 2021
قصة
الدول ذات الصلة
جمهورية إفريقيا الوسطى
شارك
طباعة:

أصبح العنف الجنسي من قضايا الصحة العامة في جمهورية إفريقيا الوسطى على مدار العقد الماضي، إذ تعد النساء والقصر أكثر الفئات تضررًا. ففي بلد شهد سنوات من الحرب الأهلية ويواجه أزمة طويلة الأمد، لا يقتصر ارتكاب الاعتداءات على أفراد الجماعات المسلحة؛ حيث غالبًا ما يرتكب الاعتداء شخص معروف للضحية. في حين أن الوصول إلى الرعاية الطبية والنفسية قد تحسن على مر السنين، إلا أن الاستجابة الطبية لا تزال غير كافية مقارنة بحجم الاحتياجات.

"بعد الاعتداء، اعتقدت أنني سأنهي حياتي"، هذا ما قالته شارلوت*، البالغة من العمر 18 عامًا، إحدى ضحايا العنف الجنسي من بانغي عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى.

مع وفاة والدتها ورفض والدها لها، كانت شارلوت تعيش مع عمتها وزوج عمتها الذي اغتصبها ذات يوم في المنزل، بينما كان باقي أفراد الأسرة بالخارج. لم تصدقها عمتها وشعرت شارلوت حينها بالوحدة واليأس. قصدت شارلوت مركز الشرطة في البداية ولكن دون جدوى، وبعد أن تحدثت مع ابنة عم لها تعتبرها بمثابة أختها، قررت طلب المساعدة.

كانت شارلوت ضعيفة للغاية من الناحية الجسدية والعقلية، فلجأت إلى مركز الدعم الكائن في تونغولو، والذي تديره فرق منظمة أطباء بلا حدود. تعني كلمة تونغولو "النجم" في لغة سانغو، وتشير إلى "الأمل"، كما يسطع النجم في السماء المظلمة. شارلوت هي واحدة من أكثر من 6000 ضحية عنف جنسي ممن تلقوا رعاية طبية ونفسية ونفسية اجتماعية من قبل فرق منظمة أطباء بلا حدود منذ انطلاق مشروع تونغولو في بانغي عام 2017.

بالنسبة لـ سيلستين* - وهو ضحية أخرى من بانغي – فقد شعر بأنه محاصر ولم يتوقع حدوث مثل هذا الحدث الصادم. حيث كان قد وفر مأوى بكل براءة لشخص كان يعتقد أنه يعرفه، حتى تعرض للتحرش الجنسي في إحدى الليالي.

يقول سيلستين: "كنت نائمًا، وخرج من العدم بنوايا سيئة. كان مخمورًا وأجبرني على القيام بأشياء لم أكن أرغب في القيام بها. بدأت أشعر بالذعر، كنت خائفاً للغاية. لقد قام بضربي ولكني تمكنت من الفرار".

بعد ممارسة أنشطتها في مبنيين مختلفين في بانغي، وهما بيدي كومباتانت واوبيتال كوميونيتي، افتتحت منطمة أطباء بلا حدود مركز تونغولو في أغسطس/آب 2020 بالقرب بارك دو سانكونتينير من في حي لاكوانغا. حيث يعد المركز الجديد مكملاً للآخرين ومخصصاً بالكامل لضحايا العنف الجنسي.

الإناث والقصر، بكونهن الفئات الرئيسية المتضررة من العنف الجنسي

يعود أصل معظم الناجين من بانغي نفسها، وهي المدينة التي يعيش فيها 890 ألف شخص من أصل 4.5 مليون من سكان جمهورية إفريقيا الوسطى؛ لكن واحد من كل أربعة مرضى يعود أصله إلى ضواحي العاصمة، وثمة جزء ضئيل آخذ في الازدياد يأتي من مناطق نائية في مقاطعات أخرى من البلاد.

توضح منسقة مشروع أطباء بلا حدود بيلجه أوزتورك، أن "مبادرة تونغولو تسعى جاهدة لتوفير برنامج عالي الجودة ومجاني للرعاية الكاملة يكون في متناول الجميع". وتضيف بأن الخدمات مناسبة للذكور والأطفال والمراهقين.

في حين أن غالبية المرضى من النساء والفتيات (أكثر من 1900 في عام 2020، أو ما يقرب من 95 في المائة من العدد الإجمالي)، فقد سعى 111 رجلاً أيضًا للحصول على الرعاية بموجب هذا البرنامج العام الماضي. كان 52 في المائة من جميع الضحايا من القصر، وهو رقم وصفه أكسيل فرانشوم، بصفته المستشار الطبي لتونغولو، بأنه مثير للقلق، ويعتقد أن البيانات التي تم جمعها في تونغولو تمثل مشكلة العنف الجنسي الموجودة في أجزاء أخرى من البلاد.

يعد القاصرون الفئة الأكثر ضعفًا والأكثر حساسية من حيث العناية بهم، لأنهم يبنون هويتهم يومًا بعد يوم بناءً على المواقف التي يمرون بها؛ فإذا لم تؤخذ على محمل الجد، يمكن أن يكون لمثل هذه الأحداث العنيفة تأثيراً طويل الأمد على مستقبلهم ويمكن أن تترك أثرًا لبقية حياتهم.

أزمة مزمنة تؤدي إلى العنف الجنسي

مع الدمار الذي سببته سنوات من الحرب الأهلية لجمهورية إفريقيا الوسطى - اشتد الصراع منذ ديسمبر / كانون أول - وخضع شعبها مرارًا وتكرارًا للنزوح القسري، ولمستويات عالية من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، كما وأصبح العنف الجنسي أيضًا قضية صحية عامة.

قبل سنوات، حدد ضحايا الاعتداءات الجنسية أن المسلحين هم المعتدون عليهم في معظم الحالات. اليوم، ومع فتح البرنامج لقطاعات أكبر من المجتمع، تُظهر تجربتنا أن الجناة معروفون جيدًا لضحاياهم في كثير من الأحيان وأنهم جزء من دائرتهم المقربة، سواء كانوا أصدقاء أو جيران أو حتى أقارب. في عام 2020، صرح 56٪ من المرضى الذين عاينهم طاقم منظمة أطباء بلا حدود أنهم يعرفون الجناة. ومع استئناف مظاهر العنف في ديسمبر / كانون أول 2020، انعكس هذا الأمر وأصبح المسلحون مرة أخرى هم المعتدون الأكثر تكراراً.

لا تأتي تداعيات الاعتداء بتحديات أقل.

msb32349high.jpg

"بالنسبة للعائلة، عندما يتم الاعتداء على أحد الأقارب جنسياً، فإن الخطأ يقع على عاتق الشخص الذي تعرض للاعتداء. تقول مستشارة الصحة النفسية في منظمة أطباء بلا حدود، إيمي سيزير، "إنهم لا يدركون أنه يمكن أن يتعرضوا للإيذاء بأنفسهم. إنهم يلومون ذلك دائمًا على الشخص الذي تعرض للإيذاء، والذي يكون بالفعل في موقف صعب ويكون غير قادر على الدفاع عن نفسه ضد المعتدي".

يُترجم هذا أيضًا إلى الطريقة التي يتواصل فيها المرضى، إذ إن بعض لغات أفريقيا الوسطى لا تستخدم كلمة اغتصاب لأنها تعتبر من المحرمات وموصومة بالعار.

"يؤدي الصمت إلى طموحات محطمة وأسر مفككة وأمراض وعلاقات مختلة وحياة مدمرة"، وفقاً لجيزيلا سيلفا، مشرفة الصحة النفسية.

كما تضيف إيمي سيزير: "تستحق ضحية الاعتداء الجنسي الاحترام والدعم النفسي من الأسرة، ولكن هذا ليس هو الحال في كثير من الأحيان".

ندوب غير ظاهرة

تتراوح العواقب غير الظاهرة لضحايا العنف الجنسي من اضطراب ما بعد الصدمة والقلق إلى الاكتئاب. حيث يراود البعض أفكار عن الانتحار، ويحاولون الانتحار فعلاً. وبما أن الموضوع لا يزال من المحرمات، فإنه يُحظر على الضحايا في معظم الحالات التحدث عن الاعتداء الجنسي الذي تعرضن له، بسبب العار الذي قد يجلبه ذلك للأسرة.

ثم يتم حل المشكلة وديًا داخل المجتمع أو بين أفراد الأسرة، متناسين أن هذه حالة طبية طارئة يجب الاهتمام بها.

أما بالنسبة للناجين من الذكور، فإن الوضع أكثر تعقيدًا. حيث يخاف الكثيرون من التحدث بصوت عالٍ ولا يجرؤ سوى عدد قليل منهم على القدوم إلى المرافق المتواجدة في تونغولو. إنهم يترددون في طلب المساعدة، نظراً لأن هناك ضغطًا ووصمة عار كبيرة من المجتمع.

يعد الحصول على الدعم النفسي والاجتماعي في هذه البيئة المعقدة أمرًا ضروريًا لمنع أو تقليل حجم الأمراض النفسية والمعاناة التي يسببها العنف الجنسي. يجب قبول الضحايا الذين تظهر عليهم الأعراض للحصول على الرعاية وإحالتهم إلى اختصاصي أو طبيب نفسي دون تأخير.

بما أنه لا يمكن تلبية الاحتياجات الصحية والنفسية للضحايا بشكل مناسب دون النظر إلى عالمهم الاجتماعي، يتم إحالة الناجين أيضًا إلى اختصاصي اجتماعي للنظر في حالتهم.

يقول المستشار الطبي في منظمة أطباء بلا حدود فرانشوم، "الهدف هو مرافقة الناجين في رحلة الشفاء لمساعدتهم على حل مشاكلهم ويصبحوا أقوياء بما يكفي لاستئناف حياتهم".

طلب المساعدة مبكرًا أمر بالغ الأهمية

بعد الاغتصاب، يجب اتخاذ تدابير العلاج الذي يقي من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة وغيره من الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، وكذلك إعطاء اللقاحات ضد التهاب الكبد B والكزاز في أقرب وقت ممكن، أي في غضون ثلاثة أيام من الحدث. ومع ذلك، في عام 2020، 26% فقط من المرضى الذين استقبلتهم منظمة أطباء بلا حدود قد وصلوا بعد 72 ساعة من الاعتداء الجنسي. إذ يعد العاملون الصحيون والإعلانات الإذاعية وسائل لزيادة الوعي بهذه الحاجة بين المجتمعات.

يقول سيلستين، "نسمع في الراديو أنه يجب علينا الذهاب إلى مركز تونغولو في أسرع وقت ممكن حتى يتمكنوا من حل مشاكلنا".

ويضيف فرانشوم، "يتعرض الضحايا بالفعل لصدمة نفسية عندما يأتون إلينا، لذا فإن التخفيف من المشكلات الأخرى المتعلقة بالصحة أمراً مهماً للغاية".

بمجرد إعطاء مجموعة الأدوية هذه للمرضى، يتم تنظيم زيارات متابعة للتحقق من الالتزام بالعلاج لمنع ظهور الآثار الجانبية أو المضاعفات المحتملة. يمكن للمرضى الإناث أيضًا الحصول على وسائل منع الحمل الطارئة لمنع الحمل غير المرغوب فيه، كما ويتم تقديم خيارات تنظيم الأسرة للجميع في جميع مرافق تونغولو للتخفيف من وصمة العار المرتبطة بالطفل المولود نتيجة الاغتصاب.

احتياجات غير مغطاة

أثناء طلب المساعدة في أسرع وقت ممكن، تعد مشاركة التجربة المؤلمة مع اختصاصيي الصحة النفسية أمراً حيوياً لعلاج الجروح الظاهرة وغير الظاهرة الناجمة عن العنف الجنسي، كما يمكن أن يكون إعادة بناء المستقبل بعد حدوث الاعتداء مهمة شاقة بسبب نشوء الاحتياجات القانونية والاجتماعية والاقتصادية.

يتوفر حاليًا عدد قليل جدًا من الخدمات المتاحة في هذا المجال في البلاد، مما يترك العديد من الضحايا في بقعة عمياء، فضلاً عن مشكلة الإفلات من العقاب المرتبطة بالعنف الجنسي لمرتكبيها، حيث لا تتخذ الإجراءات الجنائية إلا في العاصمة.

تم في مركز تونغولو إنشاء مساحة لاستضافة المنظمات المحلية والدولية المتخصصة في الدعم القانوني والحماية والتعليم والدعم الاجتماعي والاقتصادي منذ أشهر، حتى يتمكن الناجون من الوصول إلى جميع الخدمات في مكان واحد كجزء من دائرة مرجعية منهجية، علماً بأنه يجب تعزيز التنسيق والتعاون بين المجموعات المختلفة على مدار العام.

ومن التحديات الأخرى الموجودة حظر التجول المؤقت والقيود المفروضة على الحركة التي فرضتها الحكومة خلال فترة الاضطرابات السياسية هذه. فعلى سبيل المثال، اعتاد العديد من الناجين القدوم إلى اوبيتال كوميونيتي ليلاً لتجنب وصمة العار، ولكن منذ يناير / كانون ثاني 2021 والأشهر القادمة، لم يعد هذا خيارًا.

ولا يزال الطريق طويلاً لتحديد ومعالجة ومساعدة جميع الناجين من العنف الجنسي في جمهورية إفريقيا الوسطى.

***

تعمل منظمة أطباء بلا حدود في جمهورية إفريقيا الوسطى منذ عام 1997 من خلال 13 مشروعًا في كل من بانغي وبريا وبانغاسو وبامباري وكابو وباتانغافو وباوا وبوسانغوا وكارنو. حيث تم دمج عنصر العنف الجنسي في جميع المشاريع، مع قيام فريق تونغولو بالاشتراك مع فريق الطوارئ المتنقل يوريكا بالتدخل في أماكن أخرى في جميع أنحاء البلاد تأثرت بمظاهر العنف المتزايد، بما في ذلك العنف الجنسي، وآخرها كان ليتون أواخر يناير / كانون ثاني 2020.

* تم تغيير أسماء المرضى حفاظاً على هويتهم