تمرير

فيروس كورونا في غرب إفريقيا: التركيز على الناس الأكثر ضعفاً والاستفادة من دروس الماضي

2 أبريل 2020
COVID-19
الدول ذات الصلة
إفريقيا
شارك
طباعة:

لقد طال الوباء اليوم 43 من أصل 54 بلداً في القارة الإفريقية. ولا تزال سيراليون واحدةً من البلدان التي لم تسجل أية إصابة بكوفيد-19 في منطقة غرب ووسط إفريقيا. أما بوركينا فاسو والسنغال والكاميرون فهي من بين البلدان التي تشهد أعلى مستويات للإصابة في المنطقة وقد باتت في مرحلة انتقال العدوى محلياً، علماً أن تتباين في استعداداتها للاستجابة. وفيما يلي يقدم د. دوريان جوب، مدير برامج أطباء بلا حدود في غرب إفريقيا والذي يعمل من داكار، لمحةً عن آخر مستجدات الأوضاع والأولويات في هذه المرحلة.

تسارع انتشار وباء فيروس كورونا خلال الأسابيع الأخيرة، ولهذا فقد باتت مسألة استعدادات البلدان الإفريقية تتصدر العناوين الرئيسية للصحافة الدولية. لكن ينبغي علينا بصراحة أن نتساءل: أي من هذه البلدان مستعدة حقاً؟ دعونا ننظر إلى الأوضاع في أوروبا اليوم، وخاصةً في بلدان مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، أيٌّ منها كانت مستعدة لمواجهة مثل هذه القنبلة الموقوتة؟

قد نتساءل كذلك إن كان وباء إيبولا الذي ضرب غرب إفريقيا بين عامي 2014 و2016 قد ساعد هذه البلدان على الاستعداد بشكل أفضل. فقد سمح على الأقل ببناء أنظمة استجابة وآليات ترصّد وتنسيق. لكنها اليوم مجرد مسألة وقت قبل أن نعرف مدى كفائتها. أما إلى ذلك الحين، فعلينا أن نستعد للمرحلة المقبلة التي نفقد فيها السيطرة على سلاسل العدوى وتزداد كثيراً أعداد الإصابات التي يتعين علينا التعامل معها.

هذا وقد اتخذت معظم البلدان اليوم إجراءات لوقف انتشار الوباء (منها تعليق حركة الطيران ومنع التجمعات وإغلاق المدارس) دون أن تصل بعد إلى حد منع الناس من الخروج.

وإن نجحت هذه الإجراءات في إبطاء انتشار الفيروس إلا أنها تؤثر على اقتصاد بلدان وسكان يعيشون في الغالب يوماً بيوم. كما ستؤثر بالأخص على السكان المستضعفين الذين يعيشون في سياق الأزمات الإنسانية.

ففي بوركينا فاسو على سبيل المثال، سيصعب جداً على جميع المؤسسات والمنظمات المعنية تكثيف الاستجابة الإنسانية بعد أن كنا ندعو إلى التصدّي لمشكلات غياب الأمن ونزوح السكان. ولا أحد اليوم في موقف يسمح له بإحضار فرق جديدة، كما أن نظام الإمدادات الطبية سيتعطل لأسابيع بل وحتى لأشهر. مع هذا فمن الواجب تعزيز الاستجابة للأزمة الإنسانية بل والتركيز أكثر على تدابير وإجراءات النظافة والوقاية من العدوى وذلك تجنباً لانتشار الفيروس في بلد لا تحظى فيه المناطق المنكوبة بما يكفي من المياه.

وسيتعين على كل بلد دون شك تعديل الإجراءات المتبعة قريباً، وذلك للموازنة بين إبطاء انتشار الفيروس الذي لا بد منه والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعي التي يحتمل أن تؤدي إليها هذه الإجراءات.

مع هذا فلا بد من الحفاظ على ثوابت معينة بغضّ النظر عن السياق.

أولاً وقبل كل شيء، لا بد من أن نعرف بأن تغيير السلوكيات الفردية هو العامل الأهم في إبطاء الوباء، ونقصد بهذا احترام مسافة 1.5 متر التي نتحدث عنها وتطبيق الإجراءات الأساسية للنظافة الشخصية الفردية.

يتطلب كذلك التعامل مع الأوبئة القدرة على تحديد الأشخاص الأكثر خطراً، خاصةً على مستوى المجتمع، ومن ثم مراقبتهم وتقديم الرعاية لهم. إذ يسبب فيروس كورونا مرضاً تنفسياً يغلب أن تكون أعراضه خفيفة إلى متوسطة الشدة، إلا أنه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة جداً لدى أولئك الذين هم في خطر، وبالأخص المسنين ومن لديهم بمشاكل طبية أخرى. لكننا لا نعلم إلا القليل جداً عن انتقاله في المناطق الاستوائية أو تبعاته في حال ترافق بأمراض أخرى سواء أكانت مزمنة كالسكري وارتفاع الضغط أم كانت أمراضاً موسمية كالملاريا أو سوء التغذية.

وهنا لا بد من إيجاد بديلٍ للتحرّي عن الإصابات، إذ أن إمكانات الفحص والتشخيص لا تكفي في الوقت الراهن. وسيتعين علينا إعداد آليات لكشف المرضى تقوم على الأعراض وبناء أنظمة مراقبة وبائية وإحالة للمرضى الذين يعانون من إصابات حرجة، وينبغي أن تكون كل هذه الخدمات والأنشطة أقرب ما يمكن إلى مناطق سكنهم.

بيد أن تركيز الانتباه والطاقات على كوفيد-19 خلال الأسابيع القليلة المقبلة قد يجعلنا ننسى جوانب صحية أخرى ونحيّد جزءاً كبيراً من الناس. ومن أمثلة هذا الملاريا والحصبة التي بدأت تتفشى مؤخراً في بوركينا فاسو والنيجر، علماً أنها أمراض لا تزال توقع معدلات كبيرة من الوفيات في هذه البلدان ولا بد من تنفيذ أنشطة وقائية أو حملات للتحصين ضدها. إلا أننا قد لا ننجح في نشر ما يكفي من الموارد لمواجهتها.

وهنا علينا أن نستغل الدروس التي تعلمناها من أوبئة أخرى، بما فيها وباء إيبولا الذي ضرب المنطقة.

ومن واجبنا أن نتذكر بأن أولوياتنا تقوم على: ضمان سلامة الطواقم الطبية، والحفاظ على الثقة بعملية الاستجابة ومن يشرف عليها خاصةً وأن هذا أمرٌ أساسي لتجنب الذعر وضمان نشر المعلومات الصحيحة، وأخيراً لا ينبغي بنا أن نهمل أياً من المرضى الآخرين.

كذلك لا بد من الحذر كي لا نعيد صياغة العناصر التي اعتمدنا علينا في مكافحة إيبولا، وأقصد بهذا على سبيل المثال اتباع تدابير وقائية على شاكلة تلك التي اتبعناها خلال ذلك الوباء (معدات الحماية التي تغطي كامل الجسم) خاصةً وأننا نقارع هذه المرة فيروساً لا تنتقل عدواه عن طريق الجلد. دعونا هذه المرة نركز على خطة رعاية لامركزية لإدارة الحالات البسيطة ونتجنّب إغراق مراكز العلاج بالحالات البسيطة (80 بالمئة) التي لا تتطلب دخول المستشفى. وكانت تجربة الطواقم الطبية في مكافحة متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (سارس) قد أشارت إلى أن المرافق المهواة بشكل جيد والمضاءة إضاءة طبيعية توفر في الغالب ظروفاً أفضل للسيطرة على انتقال العدوى من المرافق المتقدمة المكيفة تكييفاً مغلقاً.

باختصار، علينا أن نستفيد من الماضي وكذلك من الابتكارات الحديثة. ولن أتفاجأ إن قدمت القارة الإفريقية حلولاً جديدةً للاستجابة لوباء فيروس كورونا. فهي تتمتع بالفعل بخبرة أكبر في إدارة الطوارئ الصحية كما أن ردود الفعل الصحية العامة أكثر تطوراً من مثيلاتها في أوروبا: فنحن نسير بخطى أسرع وأسهل نحو تبسيط البروتوكولات والمعايير الطبية التي من شأنها أن تسرّع عملية الاستجابة في مثل هذه الأوضاع.

اعرف أكثر:

مواصلة الأنشطة الطبية خلال جائحة كوفيد-19