تمرير

الإعصار إيداي، موزمبيق: تحت الماء، ستجدنا

30 مايو 2019
قصة
الدول ذات الصلة
موزمبيق
شارك
طباعة:

"أ" ممرضة تبلغ من العمر 26 عاماً وتعمل في أطباء بلا حدود في موزمبيق، وقد نجت هي وأطفالها من الإعصار إيداي لكن زوجها لقي حتفه. ورغم حزنها ومأساتها فهي تعتني بالمرضى في المناطق الأكثر نأياً في موزمبيق، في المجتمعات التي تضررت من آثار الإعصار. وفيما يلي قصتها.

"ولدتُ في بلدة صغيرة لكنني انتقلت إلى نهاماتاندا حيث درست التمريض هناك. التقيت بزوجي في مباراة كرة قدم على هذا الملعب بالتحديد الذي تهبط فيه مروحيتنا لتسيير عياداتنا الجوالة. كان يدرس ليصبح معلماً وكنا ننظم مباريات بين طلاب التمريض وطلاب التربية، وفي إحدى تلك المباريات أحببنا بعضنا.

في عام 2015 تخرجنا وتزوجنا بعد التخرج مباشرة وعشنا في بيته لنبني أسرتنا قرب والديه. رزقنا بمولود هو الآن بعمر العامين وساعدني زوجي في تربية ابنتَيّ اللتين أنجبتهما من زواجي الأول.

حصل زوجي على عمل كمعلم في منطقة بوزي وانتقل للعيش هناك والتعليم في مدرسة ابتدائية. كان يأتي كل شهر لزيارتنا وكان فخوراً جداً بعمله الذي يسهم في نفع الأطفال والناس. كنت أعتني بالأطفال وأعمل هنا وهناك لتلبية احتياجاتنا. كنا سعداء.

يوم الرابع عشر من شهر مارس هذا العام تغير كل شيء.

علمنا مسبقاً أن ظروفاً جوية سيئة ستحل وسمعنا في المذياع عن الإعصار. لكن ما حدث كان أكبر من أية استعدادات يمكن اتخاذها. اتصل بنا زوجي قبل أن يضرب الإعصار ليسألنا عن حالنا ويوصينا بالحذر والانتباه. كان قلقاً جداً وقلنا له أننا سنعتني بأنفسنا، وقال أنه سيفعل ذات الشيء وأنه يحبنا. كانت تلك آخر مرة نتحدث فيها.

في الساعة العاشرة مساءً بدأت الأمطار تهطل، ولا أستطيع أن أصف لكم كيف كانت تمطر، إذ لم يسبق أن أمطرت كذلك في حياتي أو حياة والديَّ أو أجدادي. بدأ مستوى الماء يرتفع في بيتنا وبدأ الأثاث يطفو.وضعت أطفالي على طاولة المطبخ كي لا يبتلوا بالماء وبدأت أدعو الله فقد كنت خائفة. وكنت أفكر في زوجي.

كل ما عرفته عن مصيره جاءني عن طريق زملائه وأصدقائه الذين كانوا معه تلك الليلة. أخبروني بأن الماء بدأ يرتفع في المدرسة حتى وصل إلى الأعناق فاضطروا إلى أن يسبحوا إلى السطح، لكن سرعان ما غمر الماء السطح أيضاً وكان التيار قوياً. كان الناس يسبحون نحو الأشجار القريبة ويدعون الله أن تقاوم الشجرة التي يتعلق بها أحدهم الرياح والماء. تسلق زوجي مع آخرين شجرة لم تصمد فسقطت في الماء وسحبه التيار. كان قد أمضى حينها ساعات عديدة وهو متعلق بالشجرة ولم تبق لديه قدرة على السباحة. مات الكثير من طلاب المدرسة بتلك الطريقة فقد كانت أذرعهم طرية.

في اليوم التالي جرف الماء جثثاً عديدة إلى الشاطئ في بيرا. وبعد يومين من انقطاع أخبار زوجي ذهب إخوته للبحث عنه بين الجثث في الشاطئ. بحثوا طيلة يوم كامل تحت الشمس ولم يعثروا عليه. كم أغبط أولئك الذين عثرت أسرهم على جثثهم وأتيح لهم وداعهم. أما أنا فلم أحظ بتلك الفرصة.

بقيت يومين في السرير بعد ما حدث، غير قادرة على الحركة أو على فعل شيء. دُمِّر منزلي، واختفى زوجي، وتغيرت حياتي بالكامل بين ليلة وضحاها. صرت وحيدة وبلا عمل ومع ثلاثة أطفال. وعلي أن أكافح.

msf267742high.jpg

أستمد الكثير من قدرتي على الاستمرار من كوني ممرضة، فعلى الممرضة أن تكون قوية إذ تشهد كل يوم حزناً وألماً ودورها أن تدعم وتعالج. كيف لي أن أبكي بينما وظيفتي هي أن أواسي الذين يعانون؟ لم تحل هذه المأساة بي فقط وببيتي، بل كثيرون من حولنا عانوا وفقدوا الكثير. لن أنسى ما حدث لكنني سأتجاوزه ليس من أجلي فقط بل من أجل الآخرين أيضاً.

يأخذني عملي في أطباء بلا حدود إلى أماكن تضرر فيها الناس وفقدوا أكثر مما فقدت بكثير. عندما تشاهد المنظر من المروحية ترى المناطق التي أتى عليها الفيضان والأشجار الممحطمة، لكنك لا ترى كل شيء. فتحت الماء وأسفل الأغصان المحطمة ستجدنا نحن – بقصصنا وحزننا وعزمنا على الحياة.

لم أخبر ابني بعد أن والده قد مات. لا أجد القوة على ذلك حتى لو حاولت. هو صغير جداً. وعندما يطلب مني الاتصال بوالده أتصل بأحد أعمامه وأطلب منه أن يتظاهر أنه أبوه. حلمي هو أن يكمل أبنائي تعليمهم. وأحياناً يذهب بي الحلم إلى إعادة بناء بيتنا وربما أيضاً إضافة دكان صغير أبيع فيه مواد البقالة لجيراني. آمل أن يكون زوجي فخوراً بما سنكون عليه بعد رحيله".