تمرير

كيف هزمت ميرفيل الحصبة (مع بعض المساعدة من أطباء بلا حدود)

11 أغسطس 2020
تدوينة
الدول ذات الصلة
جمهورية إفريقيا الوسطى
شارك
طباعة:

بدأ الأمر بعد عيد الميلاد مباشرة، عندما جاءت إلى مستشفانا طفلة عمرها عامان.

ميرفيل

طيلة بضعة أيام كانت مرهَقة وعندها سعال وحمى والتهاب في الملتحمة: وهو التهاب يصيب العين ويمكن ربطه بالأمراض الفيروسية.

كان لديها أيضاً طفح مضطرب وكان الجلد على وجهها وذراعيها يبدو متورماً. لم أكن قد رأيت ذلك من قبل خلال عملي الطبي في السويد. والآن صرت أعرف كيف يبدو طفح الحصبة على البشرة الداكنة.

الجانب الآمن

أنا حالياً في مهمة مع أطباء بلا حدود في جمهورية إفريقيا الوسطى. في وقت سابق من هذا العام كان هنالك تفشٍ للحصبة في جزء آخر من البلد، لكن في البداية كان يبدو أنه من المستبعد تماماً أن ينتشر ويصل إلينا.

في هذا الجزء من البلد لم يحدث تفشٍ كبير للحصبة منذ سنوات عديدة. لم يكن أي منا في الفريق معتاداً على رؤية أناس مصابين بالمرض. مع ذلك ولنكون على الجانب الآمن كانت ميرفيل الصغيرة قد عُزلت عن المرضى الآخرين. الحصبة مرض معدٍ بشكل كبير ويمكن أن يودي بحياة المريض لا سيما الأطفال.

وبحثاً عن أجوبة لأعراض ميرفيل، أخذنا بعض العينات وأرسلناها إلى المختبر في العاصمة بانغي. ولسوء الحظ يستغرق هذا الأمر وقتاً.

قلق متزايد

خلال الأيام التالية، ظهر بضعة مرضى آخرين عليهم نفس الأعراض.

تم عزل الأطفال المشتبه بإصابتهم بالحصبة معاً في مبنى منفصل.

عَلِمَ فريقنا الجوال الذي يخرج ويدعم النقاط الصحية في القرى المحيطة ببوسانغوا أن عدداً كبيراً على غير المعتاد من الأطفال مرضى.

أثار هذا الأمر القلق لدى فريقنا.

الوباء

بعد أسبوع وفي مساء أحد الأيام كنت في المستشفى أقوم بعملي. فجأة امتلأ قسم الطوارئ والمنطقة التي أمامه بالكامل.

كان معظم الناس من الآباء والأمهات من القرى المجاورة، وبعضهم جاء من أماكن على بعد ساعات بدراجة أجرة، ليحضروا أطفالهم المرضى إلى المستشفى.

أذكر أني كنت أفكر في نفسي، "النجدة، لدينا الآن وباء متفشٍ!"

كانت جميع الأسرَّة في مبنى العزل ممتلئة مسبقاً وتوجَّب علينا الآن أن نضع طفلين في كل سرير تقريباً. أثار إعجابي كيف تمكن زملائي المحليين من التعامل بسرعة مع الوضع وتأمين مكان لكل شخص تقريباً.

سيل من المرضى

استمر قدوم المزيد من الناس وبعد بضعة أيام ازداد بشكل كبير عدد الأطفال المرهَقين المصابين بالسعال ذوي العيون المنتفخة والجلد المليء بالطفح.

في كل نقطة صحية كانت الفرق الجوالة تلتقي بنحو 50 أب وأم مع أطفالهم المرضى. بلغنا أنه في إحدى القرى توفي 17 طفلاً، وتسعة في قرية أخرى. وكانت الأسر التي تتمكن من القدوم إلينا في المستشفى في بوسانغوا غالباً ما تصل متأخرة.

خطر إضافي

نظام الرعاية الصحية في جمهورية إفريقيا الوسطى ضعيف للغاية. ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن 60 في المئة فقط من الأطفال يتلقون أول جرعة من اللقاح في عمر التسعة أشهر. ولسوء الحظ لا يحصل الأطفال على جرعة أخرى ضمن برنامج التلقيح الوطني.

لذلك، هناك نسبة كبيرة من الأطفال المعرضين لخطر الفيروس، كما أن الأطفال الذين أضعفهم سوء التغذية والملاريا عرضة لخطر إضافي.

مئة طفل في اليوم

يعمل فريقنا في ظل هذه الأزمة منذ شهر يناير. وعلى مدى عدة أسابيع كان يأتي يومياً نحو مئة طفل إلى قسم الطوارئ لدينا.

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف الوباء هو اللقاحات لكن لا توجد موارد محلية لهذا.

لحسن الحظ تمكنت أطباء بلا حدود بمعية السلطات المحلية من إجراء حملة لقاح كبيرة شمالي المنطقة التي نحن فيها، وفي الأسبوع القادم نأمل أن نتمكن من إجراء حملة أخرى في منطقتنا.

بفضل حملة اللقاح هذه بدأ العبء الذي على مستشفانا بالتناقص.

حقنة بسيطة

لم نعد نرى أطفالاً مصابين بالجفاف وبعيون محمرَّة من القرى التي أجرينا فيها اللقاحات. وهو أمر رائع!

حتى وإن تضمنت حملة اللقاح الكثير من العمل، فإن ما تحققه من حماية للأطفال ضد هذا المرض المريع إنجاز عظيم: كل ما يتطلبه الأمر هو حقنة بسيطة.

بعينيّ

كل هذا الوضع يجعلني أفكر في متبرعي أطباء بلا حدود حول العالم. لم يكن أي مما سبق ليكون ممكناً بدونهم. إذا كنت داعماً لأطباء بلا حدود وتقرأ هذا المنشور فأرجو أن تعلم أنه بفضلك نتمكن ليس فقط من القيام بعملنا اليومي في دعم المستشفى ومرافق الرعاية الصحية هنا فحسب بل أيضاً التصرف بسرعة في ظل الأزمة التي تنتج عن تفشٍ وبائي كبير.

لقد شاهدت بعينيّ الفارق الذي تصنعه!

مستعدون

ماذا حصل مع ميرفيل؟ لقد أصبحت إحدى أول الإصابات المؤكدة بالحصبة وبقيت في المستشفى لنحو أسبوع للحصول على الرعاية الطبية بينما كان جسدها يصارع المرض وفقر الدم الذي صاحَبه.

كل يوم كانت تصبح أكثر بهجة وبالتدريج بدأت تلعب وتأكل كالمعتاد.

في اليوم الأخير من مرضها ألبستها أمها ثوباً أبيض جميلاً. وعرفتُ أنهم كانوا مستعدين للعودة إلى البيت.

كان شعوراً جميلاً أن ترى هذه الطفلة الصغيرة التي جاءت إلينا بين ذراعي أمها تخرج من هنا على قدميها بخطوات صغيرة شجاعة.