تمرير

لا أذكر آخر مرة تقاضيت فيها راتباً

10 أكتوبر 2017
آخر
الدول ذات الصلة
اليمن
شارك
طباعة:

إبراهيم أحمد البابلي، فني مختبر، عيادة الإيدز، صنعاء

تشتمل وظيفتي على سحب عينات دم من المرضى، وتسجيل هذه العينات، ومتابعة النتائج. اخترت هذا العمل بسبب المرضى. فحالاتهم صعبة ويحتاجون إلى مساعدة. ولا يوافق كثيرين على العمل هنا؛ بسبب الوصمة المرتبطة بمرضى الإيدز. هذه العيادة هي المشروع الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط.

معظم المرضى فقراء. أحياناً تكون إصابتهم بمرض الإيدز متقدمة ويكونون طريحي الفراش. يأتون إلى قسم الطوارئ ولا يساعدهم أحد. أحياناً أذهب إلى قسم الطوارئ وأتدخل بالنيابة عنهم، فأحاول إقناع الأطباء بعلاجهم. أقول لهم:

"إنه اليوم مريضك. وأما غداً فهو شقيقك أو شقيقتك أو أبوك".

لا أذكر آخر مرة تقاضيت فيها راتباً. لا بد أن هذا حدث منذ أكثر من سنة. أرسلت أسرتي إلى الريف لأن المعيشة هناك أقل تكلفة. وفي حال أرادوا السفر نقترض المال من أحد الأصدقاء. أحياناً يقدّم أهلي المساعدة. الأعباء كثيرة عليهم. وأنا أعيل أربعة أطفال أعمارهم 15 و14 و12 و10 سنوات. ثم هناك مرضاي. لا أستطيع ترك مرضاي. فهم أسوأ مني حالاً.

msf210447.jpg

فاطمة إسماعيل أحمد بشر، صيدلانية، عيادة الإيدز، صنعاء

أعمل في هذه العيادة منذ ثمان سنوات. لم أتقاض راتبي منذ أربعة عشر شهراً. إن لم آت إلى العمل، سينتشر هذا المرض في ربوع البلاد. فلا يوجد وعي بهذا المرض. الناس يظنون أنه مرض معدٍ بشدة. يظنون أنهم إذا قابلوا شخصاً مريضاً بالإيدز فسيصيبهم المرض.

والأطباء يرفضون إجراء العمليات الجراحية. لا يدركون أن هؤلاء الأشخاص هم ضحايا المرض. يستجيبون بشكل جيد للأدوية وتتحسن حالاتهم. الأهم من الجانب البدني أنهم يتحسنون نفسياً، ويشعرون بمزيد من الارتياح لأنفسهم وللآخرين. عندما يأتي المرضى لاستلام أدويتهم، أحاول أن أبيّن لهم أنه أشبه بالإنسولين، وأنهم إذا تناولوا دواءهم يومياً بانتظام، فبإمكانهم عيش حياة طبيعية. وإنْ لم يفعلوا فستصبح حياتهم أقصر.

الحياة صعبة من دون راتب. فأنا أعيل أربعة أطفال. من حسن الحظ أنني أملك منزلاً. وأما مرضاي فوضعهم أسوأ. فلا طعام لديهم يأكلونه. يأتون إلى هنا للحصول على مضادات الفيروسات القهقرية الموصوفة لهم، لكن لا يقدرون على تحمّل تكلفة الدواء لعلاج صداع بسيط، أو حتى تكاليف التغذية البسيطة. بعض مرضاي يسافرون خمس ساعات للوصول إلى هنا. إنْ لم أكن هنا، فكيف سيكون حالهم؟

msf210426.jpg

أنيسة سعيد خالد، ممرضة استشارية، عيادة الإيدز، صنعاء

مرضاي مختلفون تماماً عن المرضى الآخرين. فلا بد من مجيئهم إلى هنا. فهم لا يستطيعون تلقي المشورة في مكان آخر بسبب الوصمة السلبية المرتبطة بهم كمرضى أيدز. لم أتقاض راتبي منذ زمن طويل، لكن خلال هذه الفترة الزمنية ذاتها، ازدادت احتياجات مرضاي. يتحمل كثير منهم أشياء لا يمكنك تصوّرها.

إحدى النساء انتقل إليها الإيدز من زوجها. وبعد أن توفي عنها، رفضت أسرتها استقبالها. ووافق عمها على استضافتها، لكنه حبسها في غرفة، فكانت تحصل على طعامها في صينية يمررونها إليها عبر نافذة. وفي إحدى المرات جاء هذا العم لرؤيتي. حيث تعرّف على المزيد من المعلومات عن المرض ثم أتاني بابنة أخيه. وقدّمت لهم جميعاً مشورة مكثفة. وأخيراً قبلوا عيش المرأة بينهم في البيت؛ فتحسّنت صحتها. وفي النهاية تزوجت برجل مصاب هو الآخر بمرض الإيدز، ورُزقا بابنة عمرها سنة. وفي غضون ستة أشهر ستخضع للفحص لمعرفة ما إذا كان الإيدز انتقل إليها.

العمل الذي أقوم به عمل إنساني. أقوم بهذا من أجل المرضى. لكن عندما لا أتقاضى راتبي، يؤثّر ذلك على أسرتي. كنت أعطي أمي مالاً لمساعدتها في معيشتها. أما الآن فلا أستطيع ذلك. فراتبي ضروري لإعالة طفليّ. وأنا الآن أقترض من شقيقي. ويوماً بعد يوم يصعُب عليّ السؤال.

msf210425.jpg

حنان، فنية مختبر، مستشفى عبس الريفي

أعمل في وزارة الصحة منذ خمس سنوات، لكن لم أتلق راتباً طيلة السنة الماضية. أحتاج إلى المال لتلبية الاحتياجات التي يحتاجها معظم الناس الطبيعيين، كالمواصلات والطعام والمعيشة. معظم زملائي رحلوا. عندما لا يتقاضى الناس أجراً لا يجيئون إلى العمل. وجدوا لأنفسهم عملاً في عيادات خاصة، وكان الأثر هائلاً. أتلقى حافزاً صغيراً من أطباء بلا حدود يسمح لي بمواصلة العمل هنا. هذا عمل مهم. فعملي ينقذ أرواحاً.

msf210445.jpg

محمد أحمد، طبيب، مستشفى عبس الريفي

أعمل في قسم العيادات الخارجية منذ حوالي خمس سنوات، وغالبية الحالات التي أعاينها تكون طارئة. أرى أيضاً حالات تعاني من سوء التغذية والإسهال وأمراض الصدر والجرب وعدوى المسالك البولية والتهاب اللوزتين والتهاب المفاصل وأمراض المعدة والمريء. القائمة طويلة، لكننا المستشفى الوحيد المتبقي في المنطقة؛ لذا يأتي الجميع إلى هنا.

لم أتقاض راتبي كاملاً منذ سنة. استلمت نصف راتب قُبيل شهر رمضان، وكذلك الحال قُبيل العيد. على الأقل حصلنا على بعض المال. أعيش هنا في عبس. أعرف مرضاي ويعرفونني. هناك حاجة ملحّة إلى الرعاية الصحية. المرضى في وضع أصعب مما أنا فيه. فهم لا يطيقون تكاليف المستشفيات الخاصة. إن لم أكن هنا لمساعدتهم، فمن سيساعدهم؟

ولكي أفي باحتياجاتي المعيشية أعمل في عيادتي الخاصة بعد الظهر. فأنا أعيل ثلاثة أطفال أعمارهم 12 و9 و4 سنوات. نظام الصحة العامة في اليمن مدمّر تماماً. وحتى إن كنا نعاني فإننا نبذل قصارى جهدنا لتخفيف معاناة الآخرين.

msf210446.jpg

هيفاء، ممرضة، مستشفى حَجة

أعمل في قسم العيادات الخارجية هنا في حَجة. أساعد في علاج المرضى الذين يعانون من آلام البطن، وأجري الأشعة السينية، وأساعد الحوامل. أعمل هنا منذ ثمان سنوات، وزوجي يعمل في مكتب وزارة الصحة في حَجة. الوضع صعب علينا. نعيل ابناً عمره ست سنوات، ولم نستطع سداد رسومه الدراسية. كما تأخرنا أيضاً في سداد الإيجار. الجلوس في البيت لن يفيد شيئاً. على الأقل عندما آتي إلى العمل، أساعد أناساً آخرين لتجاوز أوقات عصيبة.

msf210424.jpg