تمرير

إيران: بعد ليلة باردة في الشوارع... ترحيبٌ حارّ

14 نوفمبر 2019
قصة
الدول ذات الصلة
الجمهورية الإيرانية الإسلامية
شارك
طباعة:

تصف فيما يلي منسقة المشروع في منظّمة أطباء بلا حدود إستيل توماس أحداث يومٍ في عيادة المنظّمة في جنوب طهران حيث تُقدَّم الرعاية إلى أولئك الذين يجدون صعوبةً في الحصول على الرعاية الطبيّة مثل الأشخاص المشردين ومتعاطي المخدرات والفئات المستضعفة الأخرى والمعرّضين أكثر من غيرهم لخطر الإصابة بالأمراض المعدية.

"تبلغ الساعة السابعة والربع عندما يبدأ أوائل المرضى بالوصول إلى عيادتنا التي تفتح أبوابها عند الساعة الثامنة. هؤلاء المرضى ليسوا أشخاصاً يحبون الاستيقاظ باكراً، بل هم يحضرون باكراً ليحظوا، بعد ليلة باردة قضوها في الشوارع، بالقليل من الدفء من المدفأة ومن موظّفي المنظّمة الذين سبقوهم إلى العيادة.

هنا في جنوب طهران، معظم المرضى بلا مأوى وقسم كبير منهم يتعاطى المخدرات. وتعاطي المخدرات هذا هو الذي جعل بعضهم يخسر منزله، في حين بدأ البعض الآخر يتعاطى المخدرات لعدم امتلاكه أي مكان يسكن فيه. ويعيش الجميع في ظل ظروف صعبة ولا يمتلك أي منهم وظائف منتظمة، باستثناء جمع القمامة وبيعها أو القيام بالقليل من الأعمال غير القانونية في أغلب الأحيان.

ويمتلك بعض المرضى العائلات في حين يعيش البعض الآخر وحيداً، إلا أنّ المجتمع ينبذهم جميعاً بسبب طريقة عيشهم. وقد يجدون من حين إلى آخر مكاناً يمضون ليلتهم فيه في ملجأ محلي، ولكنّهم ينامون عادةً في الشوارع أو يجدون موقعاً هادئاً يسعهم تعاطي المخدرات فيه ابتداءً من المساء حتى صباح اليوم التالي. وتتوفر الكثير من المواقع المماثلة وبالأخص في الحدائق، ولكن تعاطي المخدرات يحدث أيضاً على الأرصفة وفي الشوارع المحيطة بمحطة الحافلات الجنوبية.

يُقدّر أنّ 3.5 في المائة من سكان إيران – أي نحو ثلاثة ملايين شخصاً من أصل 84 مليون – مُدمنون على المخدرات، وفقاً لمقر مكافحة المخدرات في إيران. وفي المنطقة المحيطة بعيادة أطبّاء بلا حدود في جنوب طهران – وهي عبارة عن حي تاريخي ينتشر فيه الفقر والاكتظاظ – يتم بشكل رئيسي تعاطي الهيروين والميثامفيتامين من خلال تدخينهما أو استنشاقهما في الغالب. وعدد قليل فقط من الناس هنا يتعاطى المخدرات بالحَقن، ما يُقلّل بالتالي من خطر انتقال الأمراض المعدية عن طريق الإبر الملوّثة.

ومتعاطو المخدرات، حالهم حال الأشخاص المشرّدين والعاملين في الجنس وأعضاء الأقلية الإثنية الغربتي، يتعرّضون للوصم، ما يُصعّب عملية حصولهم على الرعاية الصحية. وتُدير أطباء بلا حدود العيادة في جنوب طهران لتقديم إلى كل هذه الفئات المستضعفة الرعاية الصحية الأساسية المجانية، بما في ذلك الرعاية النفسية.

واليوم، يزور العيادة للمرة الأولى محمد البالغ من العمر 40 عاماً. منذ 25 عاماً، أي عندما كان يبلغ 15 عاماً فقط، ترك محمد عائلته ليبحث عن عمل في طهران. وبعد أن فشل في إيجاد أي عمل وبما أن لا أقارب له في المدينة ليمدّوا يد العون إليه، سرعان ما سقط محمد في فخ المخدرات التي أمست تتسبّب له بهلوسات متكرّرة ودفعت به إلى النوم دائماً في حديقة المدينة، حيث قابل ذات مرة الفريق المتنقل التابع لأطباء بلا حدود.

بعد رؤية الطبيبة عايدة والمرشدة الصحية مريم، يخضع محمد لفحوصات الكشف عن الأمراض المعدية بما فيها فيروس نقص المناعة البشري والتهاب الكبد من النوعَينB وC ومرضَي الزهري والسل. ويمكن للمرضى الذين يتبيّن أن نتيجة فحصهم لالتهاب الكبد C إيجابية أن يتلقوا الدعم والعلاج المجاني في العيادة، في حين تتم إحالة الذين تكون نتائج فحصهم لفيروس نقص المناعة البشري والسل إيجابية إلى برامج العلاج الوطنية.

وتبيّن أن فحص محمد لالتهاب الكبد C إيجابي، ولذلك يُقابل كل من الطبيبة عايدة ومريم اللتين تشرحان له أن المرض قابل للمُعالجة بالعلاج الصحيح، وبأنه سيحصل على الدعم من الأطبّاء والممرضين والأطبّاء النفسيين والعاملين الاجتماعيين في المنظّمة كي يتناول علاجه بالشكل الصحيح ويتعامل مع الهلوسة. وتم تعريفه إلى نيدا، وهي عاملة اجتماعية ستبقى على اتصال وثيق معه لتُذكّره بمواعيده في العيادة وتدعمه طوال فترة العلاج.

عندما يصادف أطبّاء المنظّمة مرضى يعانون من مشاكل طبيّة ونفسية اجتماعية معقّدة – مثل المرضى المصابين بأمراض القلب أو الاضطرابات النفسية – يقومون بإحالتهم إلى ماكن آخر للحصول على رعاية متخصّصة قد تكون عبارة عن استشارة مع أخصائي أو مع مختبر لإجراء المزيد من التحاليل أو للدخول إلى المستشفى. والمرضى الذين يحتاجون إلى الدخول إلى المستشفى يتلقون الدعم من عامل اجتماعي لتسهيل دخولهم بما أنّ معظمهم يجهل كيفية تلقي الرعاية في المستشفى وقد يتعرّض للرفض.

ويضمّ فريق أطباء بلا حدود 15 عاملاً اجتماعياً ومثقفاً صحياً ونظيراً مثل مريم ونيدا. وبما أن أعضاء الفريق هؤلاء جزء من المجتمع في جنوب طهران، يعرفون أين يُحتمل أن يتواجد متعاطو المخدرات والمشرّدون والعاملون في الجنس ويفهمون أنماط سلوكهم. يمكنهم إذاً الوصول إلى الأشخاص المستضعفين الذين قد يحتاجون إلى رعاية طبيّة وإخبارهم عن خدمات أطباء بلا حدود وتوجيههم نحو عياداتها الثابتة والمتنقلة، ما يتكرّر مرات متعدّدة في الأسبوع في المدينة وضواحيها.

ويعمل الفريق الفعّال المؤلّف من 15 فرداً أيضاً على تثقيف الناس بشأن مخاطر انتقال الأمراض المعدية ويُقدّم الدعم إلى المرضى بشكل يومي. وإلى جانب العاملين الاجتماعيين، يتواصل أفراد الفريق مع العائلات والملاجئ والجمعيات الخيرية الأخرى، ويرافقون المرضى خلال الإحالات، ويساعدون المرضى الذين يزورون للمرة الأولى عيادة أطباء بلا حدود.

تُغلق العيادة أبوابها عند الساعة الرابعة والنصف. أما العيادات المتنقلة، فغالباً ما تستمر باستقبال المرضى حتى وقت متأخر بما أن متعاطي المخدرات يجتمعون في المساء. وفي نهاية المطاف، يمضي كل مريض إلى حال سبيله ليبيت ليلته في الحديقة أو في الشوارع في أرجاء المدينة. ولعلّ هؤلاء المرضى سيتوافدون باكراً في اليوم إلى عيادة المنظّمة لكونهم متيقنين بأنهم سيحظون بترحيب دافء".