تمرير

الأردن: "كان انطباعي الأول هو الخوف والقلق اللذان رأيتهما في عينيه"

9 يوليو 2017
تدوينة
الدول ذات الصلة
الأردن
شارك
طباعة:

على الرغم من أن سمير كان يبلغ من العمر سبع سنوات فقط، إلا أنه لم يبدو كصبي صغير، فقد كان يفتقد تلك الابتسامة والبراءة الطفوليتين. هرب سمير مع عائلته (أمه وأشقائه) إلى الأردن بعد تعرضهم حقيقةً إلى أسواً مآسي الحرب، حيث كانت العائلة تتعرض بانتظام للهجمات الصاروخية والقصف الجوي، كما تم تدمير منزله وشاهد الآخرين يقعون جرحى وقتلى أمام عينيه بمن فيهم شقيقه الأكبر الذي توفي، وكذلك شقيقه الثاني الذي تم اعتقاله، إذ تعتقد العائلة الآن بأنه قد مات.

عملت على مدى الأشهر الستة التالية على نحو وثيق جداً مع سمير جنباً إلى جنب مع والدته التي كان همها الأول حالة قلق الانفصال التي كان يعاني سمير منها، إذ كان الانفصال عن والدته لبضع دقائق فقط يشكل حالة من الرعب والقلق الشديدين. لقد تركت حالة الحرب والعزلة والخطر تأثيراً كبيراً على قدرته على تنمية شعور داخلي وخارجي بالأمان، فقد كان ينظر إلى العالم وكأنه مكان مليء بالمخاطر حيث يعتقد حقاً بأنه لن يكون في مأمن لو انفصل عن والدته.

كان هذا خلال أسبوعي الثاني في العمل كمديرة لعيادة الأطفال للصحة النفسية التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود في إربد، شمال الأردن، والتي تم افتتاحها على بعد (15) كم من الحدود السورية في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014 في محاولة لمعالجة المشاكل النفسية الرئيسية لأطفال اللاجئين السوريين الذين فروا إلى الأردن، حيث كنت أقوم بإجراء عمليات تقييم متواصلة للأطفال لقياس مدى ملاءمة الخدمات التي نقدمها.

حضر سمير آنذاك الجلسة بصحبة أمه حيث كان يتشبث بثيابها جيداً، لقد كان انطباعي الأول هو الخوف والقلق اللذان رأيتهما في عينيه.

15590683_1349401975090988_8021565380306538759_o.jpg

قضيت الكثير من الوقت في العمل مع سمير لتطوير علاقة علاجية تتسم بالأمان والثقة، فبدون توفر هذا الشرط الأساسي، لن نستطيع البدء في عملية العلاج. استغرق الأمر ما يقرب من ست جلسات ليتمكن سمير من الدخول إلى الغرفة دون خوف ومن تلقاء نفسه.

وبينما كانت العلاقة العلاجية تتطور، بدأ مستوى القلق والكوابيس يشهد انخفاضاً ملحوظاً، وبهذا فقد كان انفصاله عن والدته أكثر سهولة حيث بدأ بالذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى في حياته. عندما انتهيت من مهمتي، كان ما يزال أمام سمير شوط طويل يقطعه، لكنني كنت محظوظةً جداً فقد بدأت رحلة الشفاء الطبيعي معه.

أخبرتني والدته بأنها أخذته إلى الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال دعم الصحة النفسية، لكن لم تتمكن أي منها من تطوير أي علاقة مع سمير، الذي كان ينغلق على نفسه ويلتزم الصمت دون أدنى تجاوب.

بالنسبة لي، بإمكان الطفل التزام الصمت، في حين يتواصل إعطاء العلاج بمعدله الطبيعي. لا يمكن دفع أي طفل لمعالجة الأمور التي عانى منها، لهذا كنت أقوم بإعطائه الوقت الكافي، والاستماع له، وتمكينه من الوثوق بقدراته، وقام هو بما تبقى.

لدي اعتقاد قوي بأن جميع الأطفال يتسمون بالمرونة، فلديهم القدرة على القيام بالكثير من الأشياء المختلفة؛ هم بحاجة فقط إلى شخص يقدم لهم الدعم أثناء رحلة العلاج كي يثقوا بأنفسهم.

تقوم منظمة أطباء بلا حدود بإدارة عشرات المشاريع للاجئين السوريين في دول الجوار: تركيا والعراق ولبنان والأردن، وفي البحر الأبيض المتوسط من خلال قوارب البحث والإنقاذ، وفي جميع أنحاء أوروبا لأولئك الأشخاص الذين يبحثون عن اللجوء.