تمرير

لبنان: كان يجب أن أحس بأني أفيد غيري لأتغلّب على الذعر

12 أكتوبر 2020
قصة
الدول ذات الصلة
لبنان
شارك
طباعة:

نشر هذا المقال للمرة الأولي على موقع النهار.

الاختصاصية النفسية في منظّمة أطباء بلا حدود، سارة تنوري، تتحدّث عن الانفجار الذي دمّر مدينتها بيروت قبل شهرَين وعن تأثيره على صحة الناس النفسية، بما في ذلك صحتها.

"الرابع من أغسطس/آب الساعة 6.08 مساءً. كنت على وشك مغادرة منزلي لحضور جلستي الأسبوعية مع معالجي النفسي الخاص. كنت متأخرة سلفًا آنذاك وودّعت عائلتي بشكل سريع وروتيني وأنا في طريقي للخروج. ما أن أغلقت باب سيارتي حتى سمعت صوتًا عاليًا جدًا وشعرت وكأن الهواء يُسحب من السيارة. وبعد ثوانٍ معدودة، تساقط الزجاج المكسور والحطام مثل المطر الغزير على سيارتي. دمّر الانفجار كل شيء أمامه.

شعرت بأنني مسمّرة في مقعدي وكأنني مشلولة من جرّاء الصدمة. أعقب بضع ثوانٍ من الصمت مزيج غريب من أصوات صفارات الإنذارات والصراخ ونداءات الاستغاثة من الجيران الذين رأيتهم مضرّجين بالدماء، وعلى وجوههم نظرات الارتباك والخوف. وسط هذه الفوضى، استطعت سماع والدتي تصرخ باسمي، فتحرّرت من شللي وعدت إلى المنزل لأؤكّد لها أنني على قيد الحياة.

في هذه المرحلة، كنا مقتنعين بأن هجومًا استهدف منطقتنا، وسرعان ما أدركنا ضخامة ما حصل. بدأنا ننظر حولنا في حالة ذهول: كيف يمكن أن تكون فسحة راحتنا قد انتُهكت بهذه الوحشية؟ هل نجينا من الحادث بخير وسلام أو أنه لم ينتهِ بعد؟ وإن كنا نحن قد نجونا، فمن لم ينج؟ شعرت بالإرباك ودخلت في حالة من الذعر. وللتغلّب على هذه المشاعر، كنت بحاجة إلى أن أفيد غيري.

في اليوم التالي للانفجار، وبعد ليلة مؤرقة حاولت جاهدة خلالها فهم حجم الكارثة التي حلّت بنا، تلقيت مكالمة من فريق أطباء بلا حدود في بيروت يطلب مني الانضمام إليه في الاستجابة الإنسانية كاختصاصية نفسية. شعرت أنني بحاجة إلى استخدام كل ما لدي من خبرة للمساهمة في الاستجابة ومساعدة مجتمعي في أكثر الأوقات شدّة. كعضو في فريق الطوارئ في منظّمة أطباء بلا حدود، ساعدت في إجراء تقييم لأربعة من أكثر المستشفيات تضررًا، وأجريت تقييمات منزلية، وقدّمت الإسعافات الأولية النفسية إلى ضحايا الانفجار في حيَ مار مخايل، بالإضافة إلى دعم الصحة النفسية في النقاط الطبية التابعة لأطباء بلا حدود في منطقتيَ الكرنتينا وخندق الغميق، في بيروت.

وجود منظّمة أطباء بلا حدود في المناطق الأكثر تضررًا يسلّط الضوء على مقدار الدعم النفسي المطلوب آنذاك - والذي لا يزال مطلوبًا الآن. كان تدفق المرضى إلى العيادة من أجل الاستشارات مستمرًا، وقد أعرب المجتمع، الذي غالبًا ما يميل إلى وصم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية، عن حاجة حقيقية لهذه الخدمة.

patient_in_lebanon.jpg
بعد الانفجار، إثنان من كلّ ثلاثة أشخاص يلتمسون الرعاية الصحية النفسية من فرقنا.

منذ الانفجار، أدّت عدة أحداث في التسبّب بصدمة للناس مرة أخرى، مثل الحريق الذي اندلع في الميناء في سبتمبر/أيلول. تأتي هذه الأحداث إضافةً إلى أزمة اقتصادية ومالية حادة، جعلت الناس يكافحون من أجل إعالة أسرهم، علاوةً على عدم الاستقرار السياسي في لبنان.

نظرًا لمواجهة المرضى صدمة تلو الأخرى، فقد أصبح تحقيق الاستقرار في صحتهم النفسية طويلة الأمد أكثر صعوبة بالنسبة إلى الكثيرين. بصفتي اختصاصية نفسية، يمثّل هذا تحديًا: يمكن للتذكير المتكرّر بمأساة الانفجار أو لصدمة جديدة أن تفسد فجأة خطة علاج المريض. أشعر وكأن الزمن قد توقف عند بعض الناس مساء ذلك الثلاثاء ولا يبدو أن أحدًا استطاع إعادة الأمور إلى نصابها. وينطبق هذا علي أيضًا على المستوى الشخصي.

بالنظر إلى يوم الانفجار، تنتابني مشاعر بالصغر وعدم الأهمية والضعف عندما أفكر في الوقت الضئيل الذي استغرقه تدمير أحلام ملايين اللبنانيين وتطلعاتهم. لكن هذا الحزن غالبًا ما تواسيه القوة التي أراها لدى الأشخاص الذين تأثروا بشكل مباشر بالانفجار؛ يعلمني ذلك المرونة والتصميم.

كوني عضو في فريق الاستجابة لاحتياجات الصحة النفسية في منظّمة أطباء بلا حدود، ساعدني ذلك بالتأكيد على فهم كيفية تأثير هذه الأزمة علي شخصيًا. حقيقة أنني اختبرت التجربة نفسها التي خاضها المرضى، منحتني شعورًا قويًا بالتعاطف مع الآخرين. قررت تسخير خبرتي وطاقتي في سبيل تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدة والدعم إلى أولئك الذين يحتاجون إليها.

كل من أعرفه تقريبًا يعمل على الأرض ويساهم، بطريقة أو بأخرى، في إعادة بناء هذه المدينة الممزقة، رويدًا رويدًا. منحني هذا القوة للاستيقاظ بلا كلل كل يوم منذ الانفجار والتمسك بالأمل."

ساره تنوري درست العلم النفسي في بيروت وهي تعمل في المجال الانساني في لبنان منذ ستة سنوات. انضمت سارة لفريق منظمة أطباء بلا حدود كاختصاصية نفسية منذ سنتين وقد عملت مع فرق المنظمة في البقاع وطرابلس. انضمت ساره هذه السنة إلى فريق الاستجابة لجائحة كوفيد19منذ إنفجار 4 آب/أغسطس وسارة تعمل كاخصائية نفسية مع فريق الطوارئ في المنظمة.

أقرأ المزيد: