تمرير

ليبيا: البعيد عن العين، بعيد عن القلب

15 يوليو 2019
قصة
الدول ذات الصلة
Libya
شارك
طباعة:

وقع بين الخمسة آلاف والستة آلاف لاجئ ومهاجر ضحية الاعتقال التعسفي في ليبيا وسيقوا إلى مراكز الاحتجاز التي تديرها في غالب الأحيان وزارة الداخلية التي تتخذ مقرًا لها في طرابلس.

وتزداد أحوال هؤلاء المعتقلين خطورة نتيجة النزاع المستشري في ليبيا منذ شهر أبريل/نيسان بين حكومة الوفاق الوطني الليبية والجيش الوطني الليبي. وما من بصيص أمل قد يتيح وصول هؤلاء إلى بر الأمان في أي وقت قريب رغم النداءات العديدة التي أطلقت للدعوة إلى حمايتهم وإجلائهم.

وبعيدًا عن حلبة المعارك، يقبع المئات في مراكز الاحتجاز لأجل غير مسمى في ظروف مشينة تعرّضهم للإساءة وخطر الوفاة كما تملؤهم باليأس.

msf278410high.jpg

في جنوب طرابلس في جبال نفوسة، تقطّعت السبل بأشخاص في أمس الحاجة إلى الحماية الدولية. هم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين كطالبي لجوء أو لاجئين لكنّهم رهن الاعتقال منذ شهور وحتى منذ سنوات في بعض الحالات ولا يتلقون أي نوع من المساعدة الكافية.

بين سبتمبر/أيلول 2018 ومايو/أيار 2019، توفي 22 شخصًا على الأقل في مراكز الاحتجاز في الزنتان وغريان من بينهم رجال ونساء وطفل يبلغ من العمر 8 سنوات وذلك نتيجة مرض السل في أغلب الحالات.

وفي مركز الاحتجاز في الزنتان، اعتقل أكثر من 700 شخص في مخزن زراعي شديد الاكتظاظ بينما وضع 200 شخص غيرهم في عدد من الأبنية الأصغر حجمًا.

msf278417high.jpg

كانت ظروف الصرف الصحي في المستودع الرئيسي سيئة للغاية.

لم يملك المحتجزون سوى أربعة مراحيض ودلاء للتبول، ولم يكن لديهم أي أماكن مخصّصة الاستحمام حتى أنّ المياه لم تكن متوفرة طوال الوقت، وإن توفّرت، لم تكن صالحة للشرب.

ومن المرجّح أنّ مرض السل انتشر بين المحتجزين في هذه المراكز لعدة أشهر.

أُخلي مخزن الاحتجاز الأساسي إلى جانب الأبنية الموزعة حول مجمّع مركز الاحتجاز في شهر يونيو/حزيران. وينام بعض المحتجزين الآن في غرف صغيرة لا تتخطى الـ15 متر مربّع إلى جانب ما يصل إلى 20 محتجز غيرهم.

msf278415high.jpg

في مطلع هذا العام، نُقل 50 شخصًا من بين المعتقلين الذين يعانون من المشاكل الصحية الأكثر سوءًا من مركز احتجاز الزنتان إلى غريان علمًا أنّ غريان تحوّلت إلى منطقة تنتشر فيها القوات العسكرية بشدة منذ أن أصبحت تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي بعد الهجوم الذي شنّه على طرابلس في شهر أبريل/نيسان.

تلقى اللاجئون من إدارة مركز الاحتجاز سلسلة وقفل – وأفيد بأنّ الإدارة وزّعت هذه السلاسل والأقفال لكي يحاول المحتجزون حماية أنفسهم من الغارات التي قد تشنها عناصر مسلحة في غياب الحراس.

في 26 يونيو/حزيران، كان 29 شخصًا لا يزالون في مركز غريان للاحتجاز عندما استعادت قوات حكومة الوفاق الوطني البلدة بعد قتال عنيف تضمن غارات جوية. كان المحتجزون يشعرون بالرعب والخوف على حياتهم ولم يكن أمامهم أي مكان يستطيعون الفرار إليه في منتصف المعركة.

بعد مرور أسبوع، تم نقلهم جميعًا إلى طرابلس. أحيل 8 من بينهم لتلقى العلاج في المستشفى في حين نقل الـ21 الآخرين إلى برماج إيواء تديره منظّمة غير حكومية.

msf278419high.jpg

فرّ معظم الأشخاص المحتجزين في الزنتان من الاضطهاد والعنف الذي يتعرضون له في إريتريا والصومال.

يقبع بعض هؤلاء في مركز احتجاز الزنتان منذ مارس/آذار 2017. أما آخر مجموعة من الأشخاص الذين وصلوا إلى المركز في مايو/أيار، فقد تم اعتقالهم عند حاجز أمني. لكن معظم المحتجزين في هذا المركز نقلوا إلى الزنتان من مراكز اعتقال طرابلسية عديدة في سبتمبر/أيلول 2018 بعد اشتعال القتال في العاصمة.

خلال المعارك الأخيرة في طرابلس، ورد أنّ بعض اللاجئين والمهاجرين رفضوا أن يتم نقلهم من طرابلس خوفًا من أنّهم سيُنسون في الزنتان بعيدًا عن الأنظار وفي وسط محيط قل ما يتمكنون فيه من الوصول إلى الرعاية الطبية.

msf278409high.jpg

في الحقيقة، مرّ أغلب المحتجزين بتجارب قاسية جراء الوقوع ضحية العنف في ليبيا. واختطف الكثيرون على يد تجار البشر الذين عرّضوا المحتجزين لأشكال التعذيب وممارسات الاغتصاب. ويعاني الضحايا من نتائج جسدية ونفسية بالغة.

عوضًا عن حصول اللاجئين على الحماية التي تحق لهم وعلى المساعدة التي يحتاجون إليها للخروج من هذه الحالة، حكم عليهم بالبقاء في حلقة مفرغة من العنف والاحتجاز.

msf278408high.jpg

إنّ قدر اليأس الذي يشعر به المحتجزون والصدمة التي يعانون منها يقودان العديد من بينهم إلى الإقدام على الانتحار. وكثيراً ما يضطر المحتجزون إلى كبح جماح زملائهم الذين يعانون من مشاكل صحية نفسية لمنعهم من إلحاق الأذى بأنفسهم أو بالآخرين.

msf278412high.jpg

في إطار الاستجابة لهذه الحالات، تقدّم فرق أطباء بلا حدود الاستشارات الطبية وتيسّر الإحالات إلى المستشفيات منذ نهاية مايو/أيار. وخلال الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز، أجرت فرق أطباء بلا حدود أربعة إحالات وقدّمت أكثر من 120 استشارة في مركز احتجاز الزنتان. وبالمجمل، أحالت الفرق منذ بداية أنشطتها إجمالي 17 مريضًا من مركز احتجاز الزنتان و11 من مركز غريان لتلقي العلاج في المستشفى.

لا شك في أنّ ما يمكن لفرقنا الطبية أن تحققه لتخفيف معاناة الناس يعتبر محدودًا طالما يبقى مرضانا في نفس ظروف الاعتقال المطوّلة ويتركون من دون تأمين أحد للحماية الدولية التي يحتاجون إليها.

msf278418high.jpg

ويقتصر الغذاء الذي يتلقاه المحتجزون في المراكز على الخبز والمعكرونة مما يشكّل نظامًا غذائيًا غير صحي على المدى الطويل وبالأخص لأولئك الذين يعانون من الصعوبات الصحية. إضافة إلى ذلك، يتسبب مرض السل بظهور حالات سوء التغذية كما أنّ نقص التغذية يرفع بدوره من خطر الإصابة بالسل.

في هذا الإطار، نظّمت أطباء بلا حدود حملات عدة لتوزيع الأغذية من تونا وسردين وتمر وعصير لتنويع مصادر الغذاء التي يتلقاها المحتجزون. كما وزّعت المنظمة حليب الأطفال المجفّف وبعض حاجات النظافة.

msf278406high.jpg

في 3 يونيو/حزيران، نقلت المفوضية 96 شخصاً من مركز احتجاز الزنتان إلى مرفق تديره في طرابلس، حيث ينتظر هؤلاء أن يتم إجلاؤهم من ليبيا.

حاليًا، لا يزال هناك 585 شخصًا في مركز احتجاز الزنتان.

يجب زيادة عمليات الإجلاء وإعادة توطين اللاجئين وطالبي اللجوء من ليبيا على وجه السرعة حيث أنّه للعديد من الأشخاص المحتجزين في مراكز الاحتجاز، يعتبر ذلك مسألة حياة أو موت.

الصور بعدسة: Jérôme Tubiana