في درنة، بغرب ليبيا، تقدم فرق أطباء بلا حدود من الأطباء والأخصائيين النفسيين مساعدات عاجلة لضحايا الفيضانات المدمرة الناجمة عن الإعصار دانيال. بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الكارثة، لا تزال الصدمة النفسية موجودة.
في يوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول، اشتد الإعصار دانيال، الذي كان قد تسبب بأضرار في اليونان وإسبانيا، مع مروره فوق البحر الأبيض المتوسط قبل أن يضرب الساحل الليبي. ورافق ذلك رياح قوية وهطول أمطار غزيرة، أدت إلى انفجار سدين في أعلى مجرى الوادي بمدينة درنة الساحلية في شمال شرق ليبيا. في ليلة 10 سبتمبر إلى 11 سبتمبر في حوالي الساعة 2:30 صباحاً، اجتاحت موجة مدمرة جزءاً من وسط المدينة، وجرفت آلاف الأشخاص في سيل من الطين، وخلفت وراءها دماراً في المباني وكل ما على الأرض.
تماماً مثل الصور التي تُظهر الساعات الموجودة في الأنقاض واقفة عند وقت وقوع المأساة، بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الكارثة، توقفت الأرقام الرسمية عند 4500 قتيل تم التعرف عليهم وأكثر من 8000 مفقود (المصدر: الأمم المتحدة).
وتشرح أسماء عمارة، الأخصائية النفسية في منظمة أطباء بلا حدود: "درنة حالياً في حالة رهيبة من الحزن والصمت. لا يزال الناس في حداد مستمر".
بعد ثلاثة أيام من الكارثة، وصل فريق من أطباء بلا حدود في ليبيا إلى درنة للتبرع بإمدادات شملت أكياس الجثث، وتقييم الاحتياجات الطبية والإنسانية للسكان.
كانت الحاجة الأكثر إلحاحاً التي تم الوقوف عليها في ذلك الوقت هي تقديم الدعم النفسي للعائلات النازحة التي فقدت أحباءها وجميع ممتلكاتها والتي لجأت إلى الفصول الدراسية التي تم تحويلها إلى ملاجئ مؤقتة، وكذلك للموظفين الطبيين والمتطوعين، الذين بدورهم فقدوا أحباء وأقارب بسبب الفيضانات وكانوا على تماسٍ مع الضائقة النفسية للضحايا.
بعد عشرة أيام من الكارثة، بدأ فريق منظمة أطباء بلا حدود تقديم الاستشارات الطبية العامة لدعم مركزين للرعاية الصحية الأولية، بالإضافة إلى أنشطة الدعم النفسي من خلال الجلسات الفردية والجلسات الجماعية.
حتى الآن، رأى أطباء منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 4,480 مريضاً، من الأطفال والبالغين، في الاستشارات الطبية العامة. وأكثر الأمراض شيوعاً هي ارتفاع ضغط الدم والتهابات الجهاز التنفسي العلوي وآلام المعدة. ويذكر الدكتور محمد إبراهيم الجبلاوي: "لاحظنا بسرعة أنه في كثير من الحالات، كان المرضى يعانون من أعراض نفسية أكثر منها جسدية". وقد نتج عن الاستشارات الطبية العامة إحالة أكثر من 230 مريضاً إلى فرق الصحة النفسية. ويشير أحد الأخصائيين النفسيين في فريق أطباء بلا حدود إلى أن "الجميع في درنة يعرفون بعضهم بعضاً، ولا يزال القدوم لرؤية طبيب نفسي يشكل وصمة في كثير من الأحيان".
وأفاد أخصائيون نفسيون أن العديد من المرضى تظهر عليهم أعراض الألم الجسدي التي تتراوح بين الصداع وضيق الصدر وضيق التنفس في بعض الأحيان وآلام المعدة وآلام الظهر وسخونة في الجسم، بالإضافة إلى أعراض العصبية والعنف والبكاء المستمر. ويعبرون عن مشاعر الضيق والخوف والحزن. وتمت رؤية 479 مريضاً في جلسات فردية.
ويضيف ن.، وهو أخصائي نفسي في أطباء بلا حدود: "تنتابهم أحلام مزعجة، ويخشون أن الكارثة يمكن أن تحدث مرة أخرى، ويخافون من المطر والغيوم وتغير الطقس. ويراودهم هذا الخوف من حدوث الفيضانات مرة أخرى".
على الرغم من هذه الجروح العميقة غير المرئية، وتلك المرئية في أرجاء المدينة، فإن الحياة تعود الآن ببطء إلى طبيعتها في درنة. تم إغلاق الملاجئ المؤقتة للنازحين تدريجياً، وبدأت أعمال إعادة الإعمار وأعيد فتح المدارس أخيراً. وقد تحرك الأخصائيون النفسيون في أطباء بلا حدود لمساعدة المعلمين على التعامل مع هذه البداية الصعبة بشكل خاص للعام الدراسي الجديد.