كطبيبة تخدير، تتبع جيوثي خوسيه قاعدة بسيطة: حاول أن لا تتعلق بالمرضى أو بقصصهم. وهي القاعدة التي خدمتها بشكل جيد أينما عملت. إلا أنه في خلال فترة الثلاثة أسابيع التي قضتها مع منظمة أطباء بلا حدود في المستشفى الوحيد المتخصص بمرض نوما في العالم في سوكوتو في نيجيريا، عاينت جيوثي اختباراً لهذه القاعدة.
ولفهم السبب، إليك أولاً القليل عن مرض نوما. هو إصابة غرغرينية تصيب الفم والوجه. وكلمة "نوما" أتت من الكلمة اليونانية " نوم" والتي تعني الالتهام. ويعرف المرض بأنه يأكل الأنسجة، تاركاً الناجين منه مصابين بتشوهات قبيحة في الوجه.
تقدر منظمة الصحة العالمية أن نحو 140,000 حالة نوما جديدة تظهر كل عام، معظمهم من أطفال المجتمعات الفقيرة والبعيدة في إفريقيا، كما أن ما يصل إلى 90 في المئة من المرضى الذين لا يتلقون العلاج يموتون.
تأثيرات مرض نوما
تقول جيوثي:
"تجميلياً يعتبر المرض تجربة مروعة. تبدأ الإصابة في الفم ثم تنتشر في المناطق المحيطة به. الكثير من المرضى الذين نراهم فقدوا أجزاء مهمة من وجوههم. وقد يُفقِدك المرض قدرتك على تناول الطعام وعلى التنفس والرؤية. كما أنه يمكن أن يؤدي إلى سوء في التغذية ومشاكل صحية أخرى".
بسبب التشوه الذي يسببه مرض نوما، فإن المرضى يعانون أيضاً من مستويات عالية من وصمة العار بين مجتمعاتهم، وأحياناً حتى داخل أسرهم. وغالباً ما يُعتبرون مصدراً للنحس، ويواجهون الاستبعاد نتيجة لذلك. أما الأطفال فيتوجب عليهم الانقطاع عن المدرسة، ولا يمكنهم العثور على عمل كبالغين.
ومن أجل معالجة هذه الحالة المهملة، تقوم منظمة أطباء بلا حدود بإرسال جراحين متخصصين أربعة مرات كل عام إلى مستشفى الأطفال في سوكوتو، شمال غرب نيجيريا. ولا بد من العمليات الجراحية لإزالة الأنسجة الميتة وزرع جلد جديد للمريض. وتبعاً لمدى استفحال الإصابة، فقد يحتاج مرضى نوما إلى عمليات جراحية متعددة، مما يجعل الشفاء بطيئاً وتدريجياً.
وتقول جيوثي:
"العمليات الجراحية بذاتها هي جزء صغير مما نقوم به. فالكثير من العمل يذهب إلى التوعية والوصول إلى المرضى لتشجيعهم على مواجهة الواقع وإقناعهم بأن هناك حياة بعد نوما".
وبمجرد وجودهم في المستشفى، يتم توفير التغذية لهم والبدء بالمضادات الحيوية قبل أن يتمكنوا من الخضوع للعمليات الجراحية.
دعم الصحة النفسية
يلعب فريق دعم الصحة النفسية في منظمة أطباء بلا حدود أيضاً دوراً رئيسياً خلال دورة علاج المريض، بحسب ما أوضحت جيوثي. من تثقيف للمرضى وأسرهم حول مرض نوما، إلى مساعدتهم للتعامل مع آثاره من خلال التشاور معهم. إن دعم الصحة النفسية هو مفتاح إعادة بناء ثقتهم بأنفسهم وكذلك مهاراتهم الاجتماعية.
وتذكر جيوثي فتاة في سن المراهقة فقدت شفتيها العلوية والسفلية بسبب مرض نوما، وكانت لا ترفع رأسها أبداً أثناء الكلام.
"لكن مع مرور الوقت، استعادت ثقتها بنفسها وأصبحت تشارك بحماس في المحادثات. لقد كان شيئاً جميلاً أن نرى ذلك".
بالمقارنة مع وصمة العار التي يواجهها المرضى في الخارج، يُعتبر المستشفى واحةَ تعاطف. جميع مرضى نوما، بغض النظر عن سنهم، لديهم على الأقل مقدم رعاية إلى جانبهم. وتضيف جيوثي:
"يقومون عادة بمواساة بعضهم البعض الآخر بأن يقولوا ’إنه ليس سيئاً جداً‘".
كما ينظم فريق منظمة أطباء بلا حدود أيضاً نشاطات داخل المستشفى للحفاظ على معنويات المرضى.
وتقول جيوثي أن برنامج نوما الذي تعده منظمة أطباء بلا حدود هو التصور المثالي لأهداف المنظمة – وذلك بإنقاذ الحياة، وتخفيف المعاناة، واستعادة كرامة الأشخاص الذين يعيشون في محنة.
" نظراً لأن مرض نوما يهاجم الجسم والعقل فإن برنامجنا لا يهتم فقط بمعالجة الناس، بل يهتم أيضاً بإعادة منحهم احترام الذات".
وبالرغم من أن المهمة كانت قصيرة فقد كان لها تأثير كبير على جيوثي. وقالت:
"ستشعر بالخوف عندما ترى صور مرض نوما. ولكن عندما تذهب إلى هناك وترى الصورة كاملة، فإنك تدرك كيف أن كل شيء جميل. هي مثل الأوبرا، تشدك إليها، ثم تراها وتقع في حبها، حتى لو كنت لا تنوي ذلك".