جوهانسبرغ، 31 مايو/أيار 2018 – ترحّب منظمة أطباء بلا حدود بالخطوة التاريخية التي أقدمت عليها حكومة جنوب إفريقيا استجابةً لسنواتٍ من جهود المجتمع المدني عبر حملة تعديل قوانين براءات الاختراع، والتي كانت تهدف إلى وضع سياسة جديدة للملكية الفكرية لإيقاف عملية منح براءات الاختراع العشوائية، وهو ما يمنح الأمل لسكّان جنوب إفريقيا العاجزين عن توفير ثمن الأدوية التي يحتاجون إليها لإنقاذ حياتهم والحفاظ على صحتهم. وتُشكّل هذه السياسة حجر الأساس في عملية إصلاح قوانين براءات الاختراع لصالح الصحة العامة.
يسمح قانون براءات الاختراع الحالي في جنوب إفريقيا لشركات الصناعات الدوائية بالحصول على براءات اختراع متعدّدة وغير مُستحقَّة لمنتَج دوائي واحد وتقاضي أسعار باهظة من المرضى. فعلى سبيل المثال، تحتوي جنوب إفريقيا على واحدٍ من أعلى معدلات الإصابة بداء السلّ وداء السلّ المقاوم للأدوية في العالم، ولكنّ ارتفاع الأسعار يمنع المرضى من الحصول على العديد من الأدوية الرئيسية لعلاج هذا المرض، كعقار "لينيزوليد" الخاضع للاحتكار بموجب براءة اختراع طويلة الأجل، حيث يبلغ ثمن حبّة الدواء الواحدة أكثر من 49 دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، توجد نسخٌ جنيسة من هذا الدواء وبسعرٍ لا يتجاوز 8 دولارات أمريكية في العديد من البلدان كالهند مثلاً.
يواجه عقارا بيداكويلين وديلامانيد الحديثين لعلاج السلّ المقاوم للأدوية نفس المصير، حيث يتمتّع كلّ منهما بحماية براءة اختراع متعدّدة وتمتدّ لأكثر من 20 عاماً. كما تبلغ تكلفة برنامج العلاج الذي يمتدّ لستّة أشهر 900 دولار أمريكي لعقار بيداكويلين و1,700 دولار أمريكي لعقار ديلامانيد. وكانت الأبحاث قد أظهرت أنّ الأسعار الواقعية للأدوية الجنيسة تتراوح بين 48-102 دولار أمريكي لعقار بيداكويلين، و30-96 دولار أمريكي لعقار ديلامانيد، ولكنّ احتكار هذه الأدوية بموجب براءات الاختراع طويلة الأجل يُلغي احتمال خفض أسعار هذه الأدوية في المستقبل المنظور.
ويقول فوميزا تيسيلي، وهو أحد الناجين من داء السلّ المقاومة للأدوية بشدة: "كنت من القليلين المحظوظين الذين استطاعوا الحصول على عقار لينيزوليد على الرغم من سعره الباهظ في جنوب إفريقيا. وآمل أن تؤدّي الإصلاحات الجديدة في مجال براءات الاختراع إلى وقف منح براءات الاختراع المتعدّدة لنفس الدواء، وزيادة توفير النسخ الجنيسة ميسورة الثمن من الأدوية المنقذة للحياة، والتي يعاني المرضى في جنوب إفريقيا من الحاجة الماسّة إليها".
فشلت جنوب إفريقيا على مدى عقود في الاستفادة من الثغرات التي توفّرها قواعد منظمة التجارة العالمية، تاركةً المرضى تحت رحمة الممارسات التعسّفية لبراءات اختراع شركات الصناعات الدوائية، وهو ما أدّى بالنتيجة إلى تضخّم أسعار الأدوية. وشهد هذا الأسبوع صدور سياسة الملكية الفكرية تماشياً مع الاتفاقية الدولية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، والتي تسمح للبلدان بتعديل قوانين براءات الاختراع لتشمل الحفاظ على الصحة العامة كما حدّده إعلان الدوحة حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية والصحة العامة.
وكانت عملية إصلاح قانون براءات الاختراع قد تعرّضت للكثير من التأخير خلال السنوات التسع الأخيرة، ويعود ذلك بشكلٍ أساسيّ إلى الضغط الهائل من قبل شركات الصناعات الدوائية المتعدّدة الجنسيات. أمّا الفضل في إصدار سياسة براءات الاختراع الجديدة فيعود إلى الجهد الجماعي لحملة إصلاح قوانين براءات الاختراع، والتي ناضلت لتعديل هذا القانون وضغطت على الحكومة بطرقٍ مختلفة بما فيها التظاهر في الشوارع عند الحاجة لضمان التزام الحكومة بالإجراءات الداعمة للصحة العامّة.
يقول سالومي ميير من منظمة التحالف لمكافحة السرطان، وهو أحد أعضاء حملة إصلاح قوانين براءات الاختراع: "لقد قطعت حملة إصلاح قوانين براءات الاختراع رحلةَ كفاحٍ طويلة، وضغطت بشكلٍ متواصل على حكومة جنوب إفريقيا لإجراء الإصلاحات اللازمة في هذا القانون للصالح العام، وزيادة توفير الأدوية الرخيصة للناس من خلال المنافسة الجنيسة. وينصبّ تركيزنا اليوم على تحويل هذه السياسة إلى قانون وتطبيقه بشكلٍ ملائم بأسرع ما يمكن، فلا بدّ من وضع حدّ لمعاناة الناس في الحصول على الأدوية التي يحتاجون إليها".
ما تزال جنوب إفريقيا تمتلك حتّى اليوم نظام تسجيل براءات اختراع يسمح بمنح براءات الاختراع دون إجراء تقييم موضوعي. وتشمل السياسة الجديدة نقاط عملٍ واضحة لإجراء البحث والفحص الموضوعي الشامل، إضافةً إلى إجراءات تسمح لأيّ طرفٍ مهتمّ بالاعتراض على قرار منح براءة الاختراع. كما تشمل هذه السياسة توصياتٍ تساعد على ضمان تطبيق مقاربة الصحة العامة من خلال إصدار تراخيص إلزامية لإلغاء براءات الاختراع غير المستحقّة.
وتقول كلير واترهاوس من حملة توفير الأدوية الأساسية في منظمة أطباء بلا حدود: "ستمهّد سياسة الملكية الفكرية في جنوب إفريقيا الطريق لإصدار قانون جديدٍ وتقدمي في مجال براءات الاختراع من خلال منح الأولوية لاحتياجات الناس لا لأرباح الشركات. لقد نجحت بعض الدول مثل الأرجنتين والهند في تحقيق التوازن بين تعزيز الصحة العامة وتوفير الأدوية، مع منح براءات الاختراع بشكلٍ حصري للأدوية الجديدة فعلياً. ومن خلال هذه التجارب، نعتقد أنّ نجاح جنوب إفريقيا بتشريع وتطبيق هذه السياسة بسرعة لن يقتصر على توفير الأدوية للمحتاجين، بل سيجعلها نموذجاً يُحتذى من قبل البلدان الأخرى ومنظمات المجتمع المدني في إفريقيا والتي تعمل على إصلاح نظام براءات الاختراع".
__________________________________________________________
ملاحظة المحرّر:
حملة إصلاح قوانين براءات الاختراع هي عبارةٌ عن ائتلافٍ محليّ يضمّ منظمات مجتمع مدني في جنوب إفريقيا تكافح لتعديل نظام براءات الاختراع، وتعمل مع حكومة جنوب إفريقيا منذ عام 2011. بدأ هذه الائتلاف بتحالفٍ ضمّ 3 منظمات فقط هي منظمة أطباء بلا حدود، وحملة تفعيل العلاج ومنظمة سيكشن 27 الحقوقية، وهو يضمّ الآن 40 منظمة تعمل في مجال المناصرة وحقوق المرضى، وتشمل أنشطتها مجموعة واسعة من الأمراض بما فيها فيروس نقص المناعة البشرية، والسلّ والسرطان والأمراض النفسية. لمعرفة المزيد يرجى زيارة الموقع التالي: http://www.fixthepatentlaws.org
للاطلاع على بيان حملة إصلاح قوانين براءات الاختراع: http://www.fixthepatentlaws.org/?p=1206