تمرير

جنوب السودان: سجل أطباء بلا حدود لعواقب العنف منذ الاستقلال

19 يوليو 2021
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
جنوب السودان
شارك
طباعة:

يوافق يوم 9 يوليو/تموز 2021، الذكرى العاشرة لنشوء جمهورية جنوب السودان. إلا أن هذا الإنجاز المهم تشوبه تركة دموية من عقده الأول، منه خمس سنوات من الحرب الأهلية.

ويقدم تقرير جديد صادر عن أطباء بلا حدود بعنوان: (جنوب السودان في عامه العاشر: سجل أطباء بلا حدود لعواقب العنف) أرشيفاً مجمَّعاً لتجربة أطباء بلا حدود في جنوب السودان منذ 9 يوليو/تموز 2011. ويهدف التقرير إلى تقديم تأريخ وتذكير للكلفة البشرية للعنف منذ الاستقلال، كما تراه أطباء بلا حدود – من خلال طواقمها ومرضاها.

من الاستقلال إلى الحرب الأهلية

كانت جنوب السودان عند استقلالها تعارك ما لا يقل عن 30 أزمة إنسانية. وكان جزء من البلاد غارق في صدامات قبلية عنيفة، إضافة إلى نزاع متجدد في المناطق الحدودية مع السودان. وبالرغم من التحديات، فقد كانت السنوات الأولى في فترة ما بعد الاستقلال سنوات ترقُّب وتفاؤل، وكانت فترة سلام لمعظم البلاد.

لكن بحلول ديسمبر/كانون الأول 2013 – أي بعد أقل من عامين على الاستقلال – انحدرت البلاد على نحو سريع إلى حرب أهلية، كشفت بسرعة عن هشاشة الدولة الفتية الناشئة.

"بعد اثنين وعشرين عاماً من الحرب الأهلية جاء الاستقلال في عام 2011. كان الناس جميعهم فرحين. كنا سعداء لأن دولة جديدة وُلدت .. لكن كل تلك الآمال والأحلام تبخرت فجأة". يامبيو، أحد موظفي أطباء بلا حدود، أغسطس/آب 2019.

عنف شديد

يُقدَّر بأن النزاع الذي استمر لخمس سنوات أدى إلى وفاة نحو 400,000 شخص، معظمها نتيجة استهداف مدنيين بدوافع عرقية، وفيهم أطفال ومسنون. كما استُخدم العنف الجنسي والجنساني كسلاح للنزاع، مع اعتداءات ممنهجة بدوافع عرقية وسياسية.

وقد ارتُكبت أعمال عنف بالغة للغاية في أماكن لجوء وحماية، منها مستشفيات حكومية التجأ إليها الناس طلباً للمأوى، فقُتلوا فيها في سلسلة من الهجمات الوحشية. نزح الملايين من الأشخاص وفي كثير من الأحيان عدة مرات، داخل جنوب السودان وخارجه. ويشمل هذا مئات آلاف الناس الذين طلبوا الحماية في مواقع حماية المدنيين داخل قواعد بعثة الأمم المتحدة إلى جنوب السودان (UNMISS).

منذ الاستقلال، قُتل 24 من طواقم أطباء بلا حدود الجنوب السودانيين نتيجة العنف، منهم خمسة أثناء تأدية عملهم. كما تضرر جميع مرضى أطباء بلا حدود وموظفيها ومجتمعاتهم من النزاع والعنف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفيات من أمراض قابلة للوقاية

تعرض الناس في جميع أنحاء البلاد للدمار والنزوح والمرض والموت. يعطل العنف الوصول إلى الرعاية الصحية بما في ذلك التطعيم الروتيني بينما يزيد من مخاطر انتقال الأمراض وانعدام الأمن الغذائي.

كانت هناك إخفاقات متكررة في ضمان ظروف معيشية كريمة للناس في مخيمات اللاجئين ومواقع حماية المدنيين ومخيمات النازحين. وبدلاً من ذلك، أُجبر الأشخاص الفارون من النزاع والعنف، مراراً وتكراراً ، على العيش في ظروف يرثى لها - مع عدم تلبية المتطلبات الأساسية للمعيشة أو توفير المياه والصرف الصحي، بمستوى أقل بكثير من عتبات الطوارئ الدنيا للبقاء على قيد الحياة.

في أسوأ الأحوال، سجلت منظمة أطباء بلا حدود وفاة ثلاثة إلى خمسة أطفال يومياً بسبب أمراض يمكن الوقاية منها - مثل الملاريا - في مخيمات مختلفة للاجئين ومواقع حماية المدنيين. وفي الوقت نفسه، تعرض الأشخاص الذين أُجبروا على العيش في العراء، في الأدغال والمستنقعات، للمرض والجوع الشديد بشكل متكرر.

في بعض المناطق، أدى النزاع إلى عودة ظهور الكالازار، ثاني أكبر مرض طفيلي في العالم. بالإضافة إلى ذلك كانت هناك فاشيات من الحصبة والتهاب الكبد C والكوليرا، وغيرها.

الصحة النفسية

تعرض ملايين الأشخاص في جنوب السودان على نحو متكرر لأحداث صادمة. شهدت منظمة أطباء بلا حدود زيادة في محاولات الانتحار وعملت مع مرضى يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.

"أصعب شيء في أن تكون جنوب سوداني هو الخوف. الناس يواجهون الخوف. الناس ينامون في خوف. لذلك، يسبب هذا الكثير من الصدمة للناس لأنهم لم يعودوا أحراراً كما حصل عندما حصلنا على استقلالنا لأول مرة". – أحد موظفي أطباء بلا حدود، موندري، أغسطس/آب 2019

يتفاقم تأثير النزاع الذي طال أمده والأزمات الإنسانية المتكررة في جنوب السودان بسبب ضعف نظام الرعاية الصحية الذي يعاني من نقص مزمن في التمويل، والذي لحقه دمار في العديد من المناطق وإهمال إلى حد كبير في مناطق أخرى. في عام 2020، من بين ما يقرب من 2300 مرفق صحي، كان أكثر من 1300 منها معطلاً. ويعيش أقل من نصف مجموع السكان (44 في المئة) و ​​32 في المئة فقط من النازحين على مسافة خمسة كيلومترات من مرفق صحي يعمل.

استمرار الأزمات الإنسانية

على الرغم من اتفاق السلام في عام 2018 الذي أنهى خمس سنوات من الحرب الأهلية، وتشكيل حكومة موحدة في أوائل عام 2020، لا يزال الوضع متقلباً على العديد من الأصعدة. في عام 2019، شهد جنوب السودان تجدداً للنزاعات المحلية والاقتتال بين الفصائل، والتي تصاعدت منذ ذلك الحين في عامي 2020 و 2021.

اليوم، يقدر أن 8.3 مليون شخص - أكثر من ثلثي السكان - في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية. واليوم، في أكبر أزمة لاجئين في إفريقيا، هناك 2.2 مليون شخص من جنوب السودان لاجئون في بلدان مجاورة. ولا يزال أكثر من 1.6 مليون شخص نازحين داخل جنوب السودان. وحتى في أفضل السيناريوهات، سيظل جنوب السودان عرضة للأزمات الإنسانية في المستقبل المنظور وسيحتاج إلى المساعدة لبعض الوقت.

يجب على قادة جنوب السودان بذل ما في وسعهم لضمان سلامة المدنيين وأمنهم وتوفير بيئة مواتية لتقديم المساعدة الإنسانية، بغض النظر عن أي أجندة سياسية.

"أملي في المستقبل للسنوات العشر القادمة هو مجتمع متغير يمكننا أن نعيش فيه ونتعايش فيما بيننا. أي شخص أراه فيه يكون أخي أو تكون أختي. يمكنني فيه التحرك دون أي قيود. حيث يمكنني أن أعبر عن مشاعري لأي شخص بغض النظر عن عرقه وبغض النظر عن قبيلته. وهذا هو المجتمع الذي أتوق إليه في السنوات العشر القادمة .. وجيل الشباب هو الذي سيلهم الجيل الذي سيأتي بعدنا". موظف في منظمة أطباء بلا حدود، 22 أبريل/نيسان 2021.

منذ نحو 40 عاماً، كانت المنطقة التي تشكل جنوب السودان من بين البلدان ذات الأولوية الأعلى عالمياً لمنظمة أطباء بلا حدود، من حيث العمليات والتوظيف والتمويل. ومع دخول الدولة الفتية العقد المقبل، تبقى منظمة أطباء بلا حدود ملتزمة تجاه شعب جنوب السودان.

شاهد على CNN Arabic