جنوب السودان: أطباء بلا حدود تبدأ حملة تطعيم جماعية للوصول إلى المناطق النائية والحؤول دون وقوع مزيد من الوفيات وسط تفشي التهاب الكبد E القاتل

South Sudan deadly hepatitis E outbreak: MSF launches mass vaccination campaign to reach remote communities
تمرير
1 فبراير 2024
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
جنوب السودان
شارك
طباعة:

استجابةً لتفشي التهاب الكبد E القاتل في جنوب السودان، بدأت منظمة أطباء بلا حدود حملة تطعيم بالتعاون مع وزارة الصحة تهدف إلى حماية النساء والفتيات في سن الإنجاب كونهن الأكثر عرضةً للوفاة جراء هذا المرض. إذ قد تصل معدلات الوفيات إلى 40 بالمئة بين النساء الحوامل، علماً أنه لا علاج للمرض، أي أن الكثير من المصابين بمراحل متقدمة من التهاب الكبد E لا ينجون منه. وقد عالجت طواقم مستشفى أطباء بلا حدود الواقع في فنجاك القديمة في ولاية جونقلي 501 مريضاً مصاباً بالتهاب الكبد E منذ أبريل/نيسان 2023، علماً أن المرض أودى بحياة 21 شخصاً معظمهم نساء. وتسعى الحملة إلى الحؤول دون وقوع مزيدٍ من الوفيات، وهي الأولى التي تجري خلال المراحل الحادة من تفشي المرض وتتركز في مثل هذه المنطقة النائية والمعزولة في جنوب السودان.

وتعليقاً على الأوضاع، قال رئيس بعثة أطباء بلا حدود في جنوب السودان مامام مصطفى: "التهاب الكبد E مرض منقول بالماء قد يكون قاتلاً، ويصيب نحو 20 مليون شخص سنوياً، حيث يعاني ثلاثة ملايين منهم من أعراض تتطلب العلاج. لكن ليس في وسع الجميع تأمين العلاج في الوقت المناسب، ولا سيما في البلدان التي تكون فيها مرافق الرعاية الصحية محدودة كما هي الحال في جنوب السودان. وحتى إن نجح الناس في مثل هذه المناطق في الوصول إلى المستشفيى في نهاية المطاف، غالباً ما يكون قد فات الأوان. لا علاج لالتهاب الكبد E وللأسف فإن المرض يفتك بحياة 70,000 شخص كل عام. لذا تعتبر اللقاحات مهمة جداً، إذ يمكنها أن تنقذ حياة الناس".

جرى تطوير اللقاح عام 2012 وحصل على الموافقة كي تستخدمه منظمة الصحة العالمية في سياقات الطوارئ منذ عام 2015. ومع ذلك إلا أنه لم يستخدم سوى مرة واحدة من قبل. حدث هذا عام 2022 في جنوب السودان أيضاً، حين نفّذت أطباء بلا حدود أول حملة تطعيم جماعية باللقاح في مخيم النازحين الواقع في بانتيو. كان تفشي المرض آنذاك متواصلاً منذ أكثر من سنتين، واستخدمت المنظمة اللقاح لوقاية أكثر من 25,000 شخص. يشار إلى أن الحملة الاخيرة في مقاطعة فنجاك تستفيد من الخبرات المكتسبة في بانتيو، لكنها تجري في سياق مختلف كلياً.

ويتابع مصطفى قائلاً: "تقع فنجاك في منطقة نائية جداً في شمال جنوب السودان على مستقنعات بحر السُّد، وهي منطقة شاسعة من الأراضي الرطبة التي تتناثر فيها تجمعات سكانية صغيرة بالكاد ما تتوفر لسكانها أبسط أساسيات الرعاية الصحية. حتى أننا نواجه تحديات في إيصال لقاحات الطفولة الروتينية إلى فنجاك القديمة. إذ لا يمكن الوصول إلى المستشفى إلا بالقارب عبر نهر النيل أو جواً. غير أن مهبط الطائرات في فنجاك القديمة يتعرض للفيضانات منذ أربع سنوات، لذا فقد اضطررنا إلى نقل اللقاحات جواً إلى قرية أخرى قريبة أولاً ثم نقلها عبر النهر مسافة 35 كيلومتراً وصولاً إلى مستشفانا. لكن يجب حفظ اللقاحات في درجة حرارة تتراوح بين 2 إلى 8 درجات مئوية، وهذا أمرٌ سهلٌ في مستشفانا لكننا نواجه تحديات كبيرة في مساعينا للحفاظ على سلسلة التبريد دون انقطاع خلال الساعات الثمانية التي يستغرقها إيصال اللقاحات إلى بعض التجمعات السكنية التي تستهدفها هذه الحملة".

هذا وكانت الحياة في مقاطعة فنجاك صعبة أصلاً حتى قبل أن يبدأ التهاب الكبد E بالفتك بحياة الناس. فقد أدت الفيضانات المتكررة خلال السنوات الأربعة الماضية إلى تدمير محاصيل الناس وإغراق مواشيهم. وصارت القرى التي كان بالإمكان الوصول إليها سيراً على الأقدام جزراً تحاصرها المياه، ولم يعد أمام سكانها من خيار إلى الاعتماد على الزوارق الخشبية الصغيرة للتنقل من مكان إلى آخر. وقد زاد عدد حالات الملاريا بسبب عدم تراجع مياه الفيضانات، حيث هيّأت المياه الراكدة بيئةً خصبةً لتكاثر البعوض. وزادت في الوقت ذاته معدلات سوء التغذية بعد أن اضطر الناس إلى تغيير عاداتهم الغذائية، حيث صاروا يتعلمون صيد السمك أو باتوا يقتاتون على زنابق الماء. وها هم اليوم في مواجهة تهديد جديد في ظل انتشار التهاب الكبد E عن طريق المياه التي يشربونها ويعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة.

وأضاف مصطفى: "كان الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية صعباً من قبل على هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذه البيئة القاسية، ثم جاءت الفيضانات فزادت الطين بلة. إذ ما من خيار أمام كثيرين سوى ركوب زروق خشبي صغير لمدة ثماني ساعات كي يصلوا إلى أحد المرافق الصحية، ويرجح أن يعزف الكثيرون عن المحاولة نظراً لتكاليف النقل وطول المسافة. ونعلم علم اليقين بأن التهاب الكبد E قد أودى بحياة 21 شخصاً خلال التفشي الحالي، لكن هؤلاء ليسوا سوى من نجحوا في الوصول إلى المستشفى. ويرجح جداً أن يكون هناك أناسٌ آخرون كثر فارقوا الحياة في بيوتهم دون أن يقدروا حتى على محاولة تأمين العلاج. وكي لا يضطروا إلى خوض تلك الرحلة فقد قررنا أن نحاول الوصول إليهم. بيد أن بعض التجمعات السكنية نائية جداً لدرجة أننا أنفسنا اضطررنا أحياناً إلى ركوب زوارق خشبية صغيرة كي نصل إليها. وكثيراً ما نعتمد على الزوارق السريعة لإيصال عياداتنا المتنقلة إلى القرى النائية، لكن نظراً لمواقع التجمعات السكنية المتضررة جراء تفشي المرض، فقد أُجبرنا على تعديل أنشطتنا المعتادة للوصول إلى الناس المعرضين للخطر".

ثمة تحدٍّ آخر يتمثل في محدودية اللقاح وارتفاع كلفته. إذ تقتصر رخصة إنتاجه على شركة وحيدة تقع في الصين ولا يجري إنتاجه بكميات كبيرة. كما يعتبر حجمه كبيراً مقارنةً باللقاحات الأخرى، وبالتالي يصعب نقله وتخزينه ولا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها مثل فنجاك القديمة. وتمثل هذه التحديات عوائق كبيرة تقف في وجه جهود الاستجابة لتفشي الأمراض في سياقات الطوارئ كما في جنوب السودان. لذا تدعو منظمة أطباء بلا حدود إلى معالجة هذه العقبات كي يصبح بالإمكان حماية عددٍ أكبر من الناس ولا سيما النساء والفتيات في سن الإنجاب اللواتي لا يزلن الأكثر عرضةً للخطر. 

ويتطلب التطعيم بهذا اللقاح إعطاء ثلاث جرعات منه، بحيث تعطى الجرعة الثانية بعد شهر من الأولى، فيما تعطى الثالثة بعد 6 أشهر من الأولى. وتسعى أطباء بلا حدود إلى تطعيم 12,776 امرأة وفتاة بعمر 16 - 45 عاماً بكامل الجرعات بحلول يونيو/حزيران 2023 حين تختتم هذه الحملة. إضافةً إلى هذا، تتولى المنظمة تدبير الحالات وتحيل المرضى إلى مستشفياتها، كما تنفذ حملات توعية مجتمعية وأنشطة مراقبة وبائية. لكن أطباء بلا حدود تحث المنظمات الصحية والإنسانية الدولية والمحلية على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي في فنجاك القديمة عن طريق نشر التوعية وتشييد مرافق مناسبة للصرف الصحي والإصحاح كالمراحيض وأنظمة تصريف النفايات وحفر الآبار حرصاً على تأمين مياه الشرب النظيفة. ولا بد من كل هذا لوقف انتشار المرض والحؤول دون تفشي الأمراض في المستقبل.