جنوب السودان: تلبية احتياجات الصحة النفسية في أعقاب العنف

South Sudan
تمرير
23 سبتمبر 2022
قصة
الدول ذات الصلة
جنوب السودان
شارك
طباعة:

عندما أطلقت منظمة أطباء بلا حدود استجابة طارئة في تامبورا بجنوب السودان، في ديسمبر/كانون الأول 2021، كان مستوى الدمار واضحًا – فقد نزح 80,000 شخص، وقتل جزء كبير من المجتمع بطريقة وحشية، أما المستشفى الوحيد في المنطقة فقد نُهب ودُمِّر، ما حرم الناس من الرعاية الطبية. 

بدأ النزاع في تامبورا، والذي كان ذا أساس عرقي إلى حد كبير، في أوائل عام 2021 لكنه تصاعد بشكل كبير بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول. وقد أدى ذلك إلى هلاك السكان. 

وفي هذا السياق، توصلت دراسة استقصائية للوفيات بأثر رجعي أجرتها منظمة أطباء بلا حدود في مارس/آذار 2022 إلى أن ما معدله 5.5 حالة وفاة من بين كل 10,000 شخص كانت قد وقعت كل يوم على مدى تسعة أشهر. لم يعثر الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات النازحين بعدُ على أحبائهم، بينما يعرف آخرون أن أفراد أسرهم قد قتلوا، لكنهم لا يشعرون بالأمان للذهاب واستلام جثثهم.

فضلًا عن ذلك، فُقدت الأرواح بسبب نقص الرعاية الطبية نتيجة لتدمير المستشفيات. ولم يعد لدى الأمهات أماكن آمنة لولادة أطفالهن، كما لم يعد لدى الأطفال مكان لتلقي اللقاحات التي تقي من الأمراض المعدية وحتى الفتاكة. لذلك، بدأ فريقنا في توفير هذه الرعاية الصحية الأساسية كجزء من الاستجابة الطارئة لمنظمة أطباء بلا حدود في تامبورا.

أحضرت طائرة شحن أسبوعية إمدادات للمجتمع وقدمت أطباء بلا حدود أيضًا المياه النظيفة وبدأت في إعادة بناء مستشفى تامبورا وتاهيله. ومع ذلك، كانت خدمات الصحة النفسية من بين أكبر الاحتياجات جراء الصدمة التي تعرض لها المجتمع.

كما تواصل عوامل على غرار العيش في خوف ومعايشة العنف الشديد ومشاهدته والغموض الهائل الذي يلف المستقبل إتلاف عقول النازحين في تامبرورا ومحيطها. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأعراض قد تتعمق وتصبح أسوأ في ظل غياب متنفس ومجال مناسب لعلاج التجارب المؤلمة التي قد تظهر على شكل أعراض جسدية في بعض الحالات.

وفي هذا الصدد، تقول مديرة الأنشطة النفسية في أطباء بلا حدود، أريادنا ألكسندرا بيريز غودينيو، "يشكل التوتر والحزن والأسى الأعراض الأكثر شيوعًا التي نراها بين الناس، فضلاً عن القلق بشأن مستقبلهم والعودة إلى ديارهم – حيث تعرضت بيوت البعض للسرقة والحرق، لذلك لم يتبقّ لديهم شيء الآن. وقد يؤدي ذلك إلى ظهور ردود فعل على أجسادهم، إذا ما لم يتحدث معهم أحد عما مروا به، وإذا لم يتصالحوا مع ما حصل معهم. ومن المنظور النفسي، يشبه هذا وجود جرح مفتوح لم يعالج".

وبهدف تلبية الاحتياجات النفسية لسكان تامبورا، قررت منظمة أطباء بلا حدود توفير خدمات الصحة النفسية الشاملة ضمن المجتمع. ومن خلال العمل مع فريق من أربعة مستشارين من تامبورا، بدأت أريادنا بمناقشة التوقعات مع فريقها.

فتقول أريادنا، "لدينا حالة جماعية هنا – فالجميع قد نزحوا، وشهدوا العنف. لن نغير التجارب التي عايشوها أو الواقع الذي يعيشون فيه – بل إنّ هدفنا هو مساعدة الناس على معالجة ما حدث، ودعمهم بآليات التكيف للمساعدة في التقليل من معاناتهم".

بدأ فريق الصحة النفسية العمل في مخيمات النزوح ومحيطها لمناقشة المشاكل النفسية التي يعاني منها الكثير من الناس، ولتطبيع الحديث عنها، وتوفير متنفس لأولئك الذين يحتاجون إلى الدعم. وشمل ذلك جلسات الإرشاد الفردية ومسارات الإحالة لأولئك الذين يحتاجون إلى المزيد من العلاج أو الدواء وجلسات الصحة النفسية الاجتماعية الجماعية.

وتقول سيفيرنا جوزيف، وهي واحدة من العديد من الأشخاص في مخيم النازحين في تامبورا الذين فقدوا أحباءهم، "قُتل ستة من أفراد أسرتي في هذا النزاع، ومن ضمنهم زوجي وابني وأخي وابن أخي. بعد أن سمعت الأخبار، اختل توازني النفسي – فقد فقدت الإحساس بمن أكون".

وتضيف، "ذهبت إلى أطباء بلا حدود لتلقي بعض جلسات الاستشارة وبعد فترة بدأت أستعيد توازني مجددًا. كانت الاستشارات النفسية التي تلقيتها من قبل أطباء بلا حدود بمثابة مساعدة كبيرة. مازلت أكافح والأمور ليست في وضع مثالي، لكنني الآن بدأت أفهم ما حدث لي، وبدأت أتعامل مع الأمر. ولأول مرة منذ فترة طويلة، أصبح لدي الآن بعض الأمل في المستقبل".

وبالنسبة لمارك موسى تاجيابايت، فإن هذه هي المرة الثانية التي يضطر فيها إلى النزوح جراء النزاع – كانت المرة الأولى في طفولته خلال الحرب من أجل الاستقلال، ونزح الآن للمرة الثانية جراء العنف الطائفي في تامبورا. هرب مارك كغيره من آلاف الناس الآخرين من تامبورا، مع زوجته وأطفاله تاركًا كل شيء وراءه.

ويقول، "كان اليوم الأول من يوليو/تموز 2021 عندما هربنا إلى المخيم – فقد كان بقاؤنا يشكّل تهديدًا على حياتنا. وصلنا إلى هنا، لكن الكثيرين لم يتمكنوا من الوصول. لقد مات الكثير من الناس في هذا النزاع؛ ومات أناس أبرياء بدون سبب. لقد دمر هذا النزاع العديد من الأشياء – المستشفى ومراكز الرعاية الصحية والمدارس... دمر هذا النزاع تامبورا".

يدرك مارك العبء النفسي الذي يرافق انعدام اليقين وغياب إمكانية الإمساك بزمام المستقبل وعدم وجود بيت للعودة إليه. وعلى الرغم من مواجهة التحديات الخاصة به، يعمل مارك كمثقِّف صحي مع أطباء بلا حدود لدعم الآخرين في المخيم في تامبورا ومشاركة المعلومات حول الخدمات الصحية المتاحة ومسارات الإحالة والتدابير الوقائية بهدف الوقاية من الأمراض وتنسيق الأنشطة مثل حملة التلقيح ضد الحصبة، التي جرت في مارس/آذار 2022.

تضمنت الجلسات النفسية الاجتماعية الجماعية التي أجرتها أطباء بلا حدود في المخيمات أنشطة مثل صنع الأساور والرسم والغناء والرقص. كما شجع الفريق الناس على الحفاظ على الروابط الاجتماعية التي شكلها العديد منهم بالفعل، مثل لعب كرة القدم أو التحدث مع الأصدقاء في جلسات القهوة أو الشاي.

فعندما تكون حركة الناس مقيدة ضمن مخيمات النزوح المكتظة بالسكان، تصبح الأنشطة النفسية والاجتماعية شريان حياة، مما يوفر وسيلة للتخفيف من التوتر والحزن ومساعدة الناس على معالجة الصدمة بشكل جماعي.

مازال الناس في جنوب السودان التي مزقتها النزاعات يعيشون العواقب الكارثية واسعة النطاق للعنف، التي تتراوح بين الموت والإصابات التي تؤثر على الحياة واضطراب ما بعد الصدمة وفقدان سبل المعيشة والبنية التحتية وأنظمة الرعاية الصحية، بالإضافة إلى النزوح من الديار والاضطرار لترك كل شيء وراءهم.

وبين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز 2022، أجرت أطباء بلا حدود أكثر من 11,500 استشارة صحة نفسية فردية وجماعية في سبعة مشاريع واقعة في أجزاء مختلفة من البلاد.

في ظل التحسينات التي طرأت على الوضع الإنساني وإعادة تأهيل المستشفى والمرافق الصحية الأخرى وعودة مقدمي الرعاية الصحية إلى تامبورا، سلمنا أنشطتنا في يونيو/حزيران 2022. وتأكدنا من إحالة المرضى المصابين بحالات شديدة كما تبرعنا بسيارة إسعاف للمستشفى. 

وفي حين أننا نواصل مراقبة الوضع في ولاية غرب الاستوائية، تبقى فرقنا على أهبة الاستعداد للاستجابة إذا تدهورت الظروف وطرأت احتياجات عاجلة. وقد بدأنا مؤخرًا استجابة طارئة في مقاطعة ماغوي في ولاية شرق الاستوائية حيث تصاعد القتال في وقت سابق من هذا العام، ما أدى إلى تشريد عشرات الآلاف من الناس. وقام فريقنا بدمج الرعاية النفسية والدعم النفسي الاجتماعي ضمن خدمات الرعاية الصحية التي نقدمها، وحرصنا على توفير المياه النظيفة والآمنة والكافية والصرف الصحي لأكثر من 100,000 شخص.