*أجرت المقابلة في نهاية العام الماضي: فلورنس دوزول
منذ فبراير/شباط 2023، نزح آلاف الأشخاص بسبب اندلاع أعمال العنف في منطقة أبيي الإدارية الخاصة. كان مارتن بولنز في مهمة ميدانية في مشروع أ طباء بلا حدود في أغسطس/آب 2022 لمساعدة الفرق على تعزيز المساعدات للناس الذين لجأوا إلى مخيمات غير رسمية أو في المجتمعات المحلية في بلدة أبيي.
"إنها السادسة صباحاً، والمطر يهطل بغزارة، ونحن على وشك الوصول للانطلاق. لن يكون الأمر ممتعاً لأن الطرق في جنوب السودان ترابية. وعندما يكون موسم الأمطار تصبح الأرض طيناً وتُغرِّز سياراتنا. وفي كل 150 متراً نضطر للنزول والمساعدة في دفع السيارة للخروج من الطين. وتمر الساعات ولا يبدو أن لهذه الرحلة نهاية. بعد خمس ساعات، وصلنا أخيراً إلى المدرج. وهناك طائرة صغيرة تنتظرنا لتقلَّنا في رحلة لمدة ثلاثين دقيقة إلى أجوك.
وبمجرد هبوطنا، نستقل سيارة مع ماكوي دوب دينغ، مساعد رئيس البعثة حينذاك، للوصول إلى المستشفى الذي اضطرت أطباء بلا حدود إلى تركه عندما اندلع العنف في فبراير/شباط 2022 في المدينة وفر الناس. قيل لنا إن الناس عادوا إلى البلدة، لكننا لم نكن متأكدين، أردنا أن نذهب إلى هناك ونقيَّم الوضع.
إنها الساعة 11:30 صباحاً ونلتقي بمختلف قادة المجتمع والعائلات التي تعيش فيما زال يشبه حتى الآن مدينة أشباح. وقد جاء واحد منهم، حيث علم أن موظفي أطباء بلا حدود موجودون في ذلك اليوم، لطلب المساعدة. وهكذا التقيت بـ (هوث)، فتى قد أقدِّر أنه في الخامسة أو السادسة من العمر. في الواقع هو في السابعة من عمره، لكنه يعاني من سوء التغذية، ويبدو أصغر من سنه الحقيقي. مع ذلك، فإن الأسرة لم تأت لطلب الرعاية بسبب سوء التغذية، ولكن لأن هوث أصيب بحروق في ذراعه الأيسر وصدره منذ شهر. ولكن بسبب عدم وجود مستشفى في المنطقة، فإن أقرب مستشفى هو الذي ندعمه في أبيي، ولم يتمكن من الحصول سوى على علاج تقليدي لم يُجد معه نفعاً. التهبت ذراعه الآن ولم يعد يستطيع استعمال يده.
خلال حديثنا مع عائلته علمت أن الملاريا التي أصيب بها في سن الثانية سببت له تلفاً دماغياً نهائياً. لم يعد يتعرف على أفراد أسرته ويعاني من نوبات منتظمة. وخلال إحدى تلك النوبات سقط في النار التي كان الطعام يُطهى فوقها.
الوضع معقد، إذ أننا لم نأت إلى أجوك لإجلاء المرضى أو نقلهم، ولكن لتقييم الوضع الصحي هناك. ومع ذلك، فقد تأثرتُ بوضع هذه العائلة الصعب وبصفتي عاملاً صحياً، لا يمكنني ترك مريض في هذه الحالة دون رعاية. ومع ذلك، فإن أخذ طفل ومرافق له إلى مرفق صحي يبعد عشرات الكيلومترات لا يتأتَّى بتلك السهولة وله عواقب على الأسرة والمجتمع. فهناك العديد من الأشياء التي يجب موازنتها، بما في ذلك حقيقة أنه إذا تمكنت من تأمين الرحلة الخارجية، فقد لا تتمكن من القيام برحلة العودة. وفي البيئات غير المستقرة ذات الأمن المتقلب والفيضانات المتكررة ووسائل الاتصال المحدودة، فإن خيار المغادرة حتى لأسباب صحية واضحة ليس بالأمر السهل.
بعد مناقشات مع الأسرة وممثلي المجتمع، تم اتخاذ القرار واستعدينا للمغادرة مع هوث ووالدته، ليبقى الأب مع باقي الأطفال. في هذا المجتمع لا يوجد سوى عدد قليل من الهواتف المحمولة. في ذلك اليوم، حصلت والدة هوث على واحد منها، لتتمكن من البقاء على اتصال ولو قليلاً. ومن خلال قصص كهذه نرى كيف يمكن لطلب الرعاية أحياناً أن ينطوي على تضحيات كبيرة للعائلات.
في الساعة الثانية بعد الظهر، غادرنا. رحلة العودة إلى المستشفى أسوأ من رحلة الصباح، حيث أن هوث ووالدته يستقلون السيارة لأول مرة، وهم قلقون ويعانون من دوار. وبالإضافة إلى التوقفات الإجبارية بسبب الطين، نقوم بتوقفات إضافية لنتيح لهم التنفس. الساعات على الطريق تبدو بلا نهاية. في الساعة 8 مساءً، وصلنا أخيراً إلى مستشفى أميث بيك في أبيي حيث تم الاعتناء بهوث على الفور.
في اليوم التالي، وجدت الصبي الصغير مع ضماد حول ذراعه، لضمان ألا يلتهب جرحه مرة أخرى بعد أن تم تنظيفه في اليوم السابق. وكانت هناك ابتسامة على وجهه وعلى وجه أمه. في لحظة كهذه، يمكن أن نتذكر أنه على الرغم من الواقع المتقلب الذي نعايشه على أساس يومي، فإننا نواصل القيام بهذا العمل الإنساني، بحيث يذهب عن وجوه المرضى وعائلاتهم القلق ويُفسح المجال للابتسامات والشفاء.
من خلال قصص كهذه نرى كيف يمكن لطلب الرعاية أن ينطوي أحياناً على مخاطر كبيرة للعائلات".