السودان، 15 أبريل/نيسان 2025 - تدخل الحرب في السودان بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية عامها الثالث، فيما لا يزال الناس مغيّبين عن الأنظار، يرزحون تحت القصف والحصار والنزوح، ويُحرمون من الغذاء والرعاية الطبية والخدمات الأساسية المنقذة للحياة. بحسب تقديرات الأمم المتحدة، يحتاج 60 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 50 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية في ظل أزمات صحية متزامنة، ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية العامة.
تكرّر أطباء بلا حدود دعواتها إلى جميع الأطراف المتحاربة وحلفائهم لضمان حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والفرق الطبية، ورفع جميع القيود المفروضة على حركة الإمدادات والكوادر الإنسانية، لا سيما مع اقتراب موسم الأمطار.
وفي هذا السياق، تقول منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، كلير سان فيليبو، "لا تُخفق الأطراف المتحاربة في حماية المدنيين فحسب، بل تفاقم من معاناتهم بشكل مباشر. أينما نظرت في السودان، ستجد احتياجات هائلة وعاجلة وغير مُلبّاة. فالملايين بالكاد يحصلون على أي شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، والهجمات تتواصل على المرافق الطبية والطواقم الصحية، فيما يعجز النظام الإنساني العالمي عن تلبية ولو جزء ضئيل من المطلوب".
مع تغير خطوط المواجهة طوال فترة الحرب، لا سيما في الخرطوم ودارفور، عاش المدنيون في خوف من هجمات انتقامية يشنّها كلا الطرفين المتحاربين. فعلى مدار العامين الماضيين، قصفت كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية مناطق مكتظة بالسكان بشكل متكرر وعشوائي. وأطلقَت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها حملة من الوحشية، شملت العنف الجنسي الممنهج وعمليات الاختطاف والقتل الجماعي ونهب المساعدات ومحو أحياء مدنية واحتلال مرافق طبية. وقد فرض الطرفان حصارًا على البلدات ودمرا البنية التحتية الحيوية، ومنعا وصول المساعدات الإنسانية.
هذا وقد حذّرت الأمم المتحدة من تفشٍ للمجاعة على نطاق واسع، إذ بات السودان اليوم المكان الوحيد في العالم الذي تُعلَن فيه المجاعة رسميًا في أكثر من منطقة. أُعلنت المجاعة بدايةً في مخيم زمزم للنازحين في أغسطس/آب، ثم امتدت إلى عشر مناطق إضافية، فيما تقف سبع عشرة منطقة أخرى على حافة المجاعة. وفي غياب استجابة عاجلة، فحياة مئات آلاف الأشخاص في الخطر.
وفي مارس/آذار، دعمت أطباء بلا حدود حملات تطعيم استدراكية ومتعددة المضادات للأطفال دون الثانية في جنوب دارفور. فتلقى أكثر من 17 ألف طفل هذه اللقاحات في 11 من أصل 14 محلية، وخضعوا لفحوصات للكشف عن سوء التغذية التي بيّنت معاناة سبعة في المئة منهم من سوء التغذية الحاد الشديد مقابل 30 في المئة يعانون من سوء التغذية الحاد الشامل. أما في ديسمبر/كانون الأول 2024، وخلال توزيع الأغذية العلاجية في محلية طويلة في شمال دارفور، أجرت فرق أطباء بلا حدود فحوصات لأكثر من 9,500 طفل دون سن الخامسة، وكانت النتائج صاعقة، إذ بيّنت إصابة 35.5 في المئة من الأطفال بسوء التغذية الحاد الشامل وسبعة في المئة منهم بسوء التغذية الحاد الشديد.
وفي الوقت نفسه، يواجه السودان حالات طوارئ صحية متعددة ومتداخلة. فقد عالجت فرق أطباء بلا حدود أكثر من 12 ألف مريض جراء إصابات بليغة ناجمة بشكل مباشر عن الهجمات العنيفة، منهم النساء والأطفال. وخلال الأسبوع الأول من فبراير/شباط 2025، تعاملت فرق أطباء بلا حدود في ثلاث مناطق من السودان هي الخرطوم وولايات شمال دارفور وجنوب دارفور مع أعداد هائلة من جرحى الحرب. علاوة على ذلك، يشهد السودان إحدى أسوأ الأزمات الصحية للأمهات والأطفال على مستوى العالم. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، تبين أن 26 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات اللواتي طلبن الرعاية في مرفقين تدعمهما منظمة أطباء بلا حدود في نيالا، عاصمة جنوب دارفور، يعانين من سوء التغذية الحاد.
وتقول منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، مارتا كازورلا، "تشهد البلاد تفشيًا لأمراض الحصبة والكوليرا والدفتيريا نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية وتعطل حملات التطعيم. كما أن الدعم النفسي ورعاية الناجيات والناجين من العنف الجنسي لا يزالان محدودين بشدّة. لا تعكس هذه الأزمات المتفاقمة وحشية النزاع فحسب، بل تبرز أيضًا العواقب الوخيمة لانهيار نظام الرعاية الصحية العامة وفشل الاستجابة الإنسانية".
ومنذ أبريل/نيسان 2023، قصد أكثر من 1.7 مليون شخص المستشفيات والمرافق الصحية والعيادات المتنقلة التي تدعمها أطباء بلا حدود أو تعمل فيها للحصول على استشارات طبية، واستقبلت أجنحة الطوارئ التابعة للمنظمة أكثر من 320 ألف شخص.
وبحسب الأمم المتحدة، نزح أكثر من 13 مليون شخص بسبب النزاع، وقد نزح كثر منهم عدة مرّات. من بين هؤلاء، نزح 8.9 مليون شخص داخل السودان في حين عَبَر 3.9 مليون شخص إلى البلدان المجاورة. يعيش الكثيرون في مخيمات مكتظة أو ملاجئ مؤقتة، من دون وصول إلى الغذاء أو الماء أو الرعاية الصحية، أو حتى شعور بالتطلع إلى المستقبل. ويعتمد الناس كليًا على المنظمات الإنسانية، علمًا أن هذا يحصل حصرًا في المناطق التي تستجيب فيها هذه المنظمات.
تدمير المرافق الصحية
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 70 في المئة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة بالكاد تعمل أو قد خرجت تمامًا عن الخدمة، ما يترك ملايين الأشخاص من دون وصول إلى الرعاية الحيوية وسط إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث. ومنذ بدء الحرب، سجّلت أطباء بلا حدود أكثر من 80 حادثة عنيفة استهدفت كوادرنا وبنيتنا التحتية ومركباتنا وإمداداتنا. فقد تعرّضت العيادات للنهب والتدمير وسُرقَت الأدوية، وتعرض العاملون في مجال الرعاية الصحية للاعتداء أو التهديد أو القتل.
ويقول مسؤول التوعية الصحية مع منظمة أطباء بلا حدود في طويلة بشمال دارفور، محمد يوسف إسحاق عبد الله، واصفًا حال مستشفى طويلة بعد تعرضه للهجوم والنهب في يونيو/حزيران 2023، "دُمرت المباني، وحتى الأسرّة نُهبت، كما أُحرِقَت الأدوية بالكامل. كانت البناية تبدو من بعيد كمستشفى، ولكن عندما تدخل إليها تجدها معقلًا للثعابين والحشائش".
على هذه الهجمات أن تتوقّف على الفور – فالمرافق والكوادر الطبية ليست أهدافًا.
اقتراب موسم الأمطار
يهدد موسم الأمطار الذي يسارع اقترابه بتفاقم الوضع الكارثي أساسًا، إذ تتسبب الأمطار بقطع طرق الإمدادات وتغرق مناطق بأكملها وتعزل الناس في وقت تبلغ فيه فجوة الجوع ذروتها وترتفع فيه معدلات سوء التغذية والملاريا. تدعو أطباء بلا حدود إلى اتخاذ تدابير تأهب عاجلة قبل موسم الأمطار. لا بد من فتح المزيد من المعابر الحدودية وإصلاح الطرق والجسور الرئيسية، وضمان الوصول إليها، خاصة في دارفور، حيث تعزل الفيضانات الموسمية سكان المنطقة عامًا بعد عام.
يجب رفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية وضمان وصولها من دون أي عوائق. وفي هذا السياق، تدعو منظمة أطباء بلا حدود جميع الجهات الفاعلة — من مانحين وحكومات ووكالات الأمم المتحدة — إلى التحرك العاجل لتمكين إيصال المساعدات ووضعه أولوية قصوى، مع ضمان عدم الاكتفاء بدخول المساعدات إلى البلاد، بل بنقلها بسرعة وأمان إلى السكّان الأكثر تضررًا والأشد عزلة. فمن دون التزام جاد بتجاوز العوائق السياسية والمالية واللوجستية والأمنية التي تعرقل وصول المساعدات لوجهتها الأخيرة، ستظل الإغاثة بعيدة عن متناول عدد لا يُحصى من الأشخاص.
عانى السودانيون طيلة عامين من هذا الرعب الذي فاق قدرة تحملهم، فلا يمكن، ولا يجب، أن يُطلَب منهم المزيد من الانتظار.