تمرير

الشمس التي تنقذ الحياة

5 مارس 2020
قصة
الدول ذات الصلة
جمهورية الكونغو الديمقراطية
شارك
طباعة:

في منطقة مثل كيغولوبي في جنوب كيفو، حيث يعيش السكان في قرى متناثرة وسط التلال، يتنقل السكان عبر الدراجات النارية إذا توفرت لهم، وإذا لم تتوفر، فيمشون لساعات. وما يزيد من المشقة التي يعانيها الناس عواقب النزاع بين المجموعات المسلحة النشطة في المنطقة.

ويشرح ميغيل بالباستر قائلاً: "يقع مستشفى كيغولوبي في وسط الغابة، وتحيط به طرق وعرة ودروب مليئة بالحجارة. يواجه الناس صعوبات في الوصول إلى أي مركز صحي". وهذا يعني أنه في الحالات الطارئة، قد يكون من الصعب جداً الوصول إلى أقرب مدينة فيها مستشفى مجهز بشكل كامل.

وتقول المنسقة الطبية لأطباء بلا حدود في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كيارا دومينيكيني: "المناطق المهمة لإنقاذ الحياة في أي مستشفى هي غرفة العمليات ووحدة العناية المركزة، ويحتاج هذان المكانان إلى مصدر كهربائي مستمر وموثوق".

يفرض استخدام المولدات، وهي الخيار الأشيع لتزويد الطاقة الكهربائية في المناطق النائية، تحديات عديدة. أحدها هي صعوبة نقل الوقود إلى أماكن لا يمكن الوصول إليها دائماً بمركبات اللاند كروزر أو الشاحنات. ونقل الديزل بالدراجة النارية أو بالجو مكلف جداً وصعب من الناحية اللوجستية.

بالرغم من أن الطاقة الشمسية قد اكتُشفت منذ عقود، إلا أن أنظمة الطاقة الخاصة بها والبطاريات المتاحة لم تجعل منها خياراً مجدياً – من حيث السعر والقدرة والديمومة – لاستخدامات من قبيل تزويد الطاقة لمستشفى بعيد يقع وسط تلال جنوب كيفو. والبطاريات التي كان يمكن نقلها وصيانتها في مثل هذه البيئة المعقدة لم تحوي السعة التخزينية الكافية لضمان تشغيل معدات طبية معقدة لفترات طويلة.

لكن توفر تقنيات جديدة غيَّر الوضع. ويوضح ميغيل بالباستر، وهو أحد الأشخاص المسؤولين عن مشروع أطباء بلا حدود الذي يزود مستشفى كيغولوبي في منطقة مولونغو بالطاقة الشمسية: "نستخدم الآن الجيل الأحدث من بطاريات الليثيوم التي لم تسوَّق تجارياً على نطاق واسع".

قبل تثبيت نظام كهروضوئي في مستشفى كيغولبي، افتتحت أطباء بلا حدود أول مستشفى لها يعمل بالطاقة الشمسية في جنوب كيفو قبل عام من الآن، في منطقة كوسيسا التابعة لمنطقة زيرالو الجبلية.

msf287073high.jpg

ويشمل تثبيت نظام الطاقة في كل من المستشفيين تركيب 100 لوح شمسي وسبع بطاريات قادرة على تخزين الطاقة اللازمة لكل مركز ليومين كاملين. ولا يقل عمر كل من هذه الوحدات التخزينية عن خمس سنوات (رغم أنه قد يكون أطول من ذلك بمرتين أو ثلاثاً)، مع فائدة إضافية تتمثل في أن هذا النوع من نظام الطاقة يشتمل على وحدة تحكم إلكترونية قادرة على التحكم بالشحن من جهة، وبتحرير الطاقة من كل من البطاريات من جهة أخرى، ما يزيد من عمر البطاريات بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، فإن وحدة التحكم هذه قادرة كذلك على كشف أي انحراف في الأداء ويمكن التحكم بها عن بعد عبر اتصال إنترنت، بحيث يمكن للفنيين مراقبة المنظومة من أي مكان في العالم. وكل شيء مصمم لضمان تيار كهربائي مستمر ومستقل، لكن في حال حدوث انقطاع (وهو أمر بعيد الاحتمال) هناك مولد احتياطي يعمل بالديزل جاهز لمتابعة المهمة والحفاظ على مصدر الطاقة الكهربائية للمستشفى مستمراً.

ويقول د. باسيفيك، مدير المستشفى: "هذا المرفق الذي يعمل بالطاقة الشمسية يحقق فارقاً كبيراً في العلاج الذي يمكننا تقديمه للمرضى في مستشفى كيغولوبي. في السابق كنا نضطر أحياناً للعمل في الظلام لأنه لم تكن هناك إنارة في أي مكان في المركز. والآن، سيتوفر التيار في جميع الغرف ما سيضمن توفير العلاج الطبي الملائم للمرضى".

أخذت فرق المنظمة على عاتقها مهمة نقل جميع هذه المعدات من أوروبا إلى ركن بعيد في إفريقيا، في رحلة أشبه ما تكون بقصص المغامرات. ويروي ميغيل بالباستر: "نُقلت الألواح بحراً عبر قناة السويس إلى تنزانيا حيث أُنزلت في ميناء دار السلام. ومن هناك عبرت تنزانيا إلى رواندا بالشاحنات حتى وصلت إلى بلدة غوما الحدودية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم حُملت من جديد بالسفن عبر بحيرة كيفو إلى مدينة بوكافو، عاصمة إقليم جنوب كيفو ومن هناك حملت بالمروحية إلى منطقة مولونغو. وأخيراً قام نحو خمسين حمالاً بنقلهم إلى المستشفى".

من الواضح أن تركيب منظومة كهذه يتطلب استثماراً أولياً غير قليل، لكن بالنظر إلى التوفير الهائل في الوقود وعدم الاضطرار إلى نقل الوقود عبر الدراجات النارية أو المروحيات، فمن المتوقع تعويض النفقات في غضون ما لا يزيد عن عامين أو ثلاثة. وبعد ذلك تكون التكلفة السنوية لتشغيل المنظومة أقل بنسبة 95 في المئة من تكلفة المولدات. أطباء بلا حدود منظمة تستجيب للطوارئ الطبية وستقوم عاجلاً أم آجلاً بتحويل مواردها إلى مناطق أخرى، لكن عشرات آلاف السكان في كوسيسا وكيغولوبي يمكنهم الاستفادة من استمرار عمل المستشفيين. وكما توضح المنسقة الطبية: "عندما تذهب أطباء بلا حدود، لن يحتاج المستشفيان إلى أموال إضافية ولن يواجها المصاعب المعتادة في تشغيل المولدات. ستعمل المعدات من تلقاء ذاتها وسنحرص على أن تبقى تلك المعدات التي سنتركها قادرة على تأدية العمل المطلوب".