سوريا: "عندما يضمحل التمويل مقابل تصاعد الاحتياجات الطبية"

MSF medical activities in northwest Syria
تمرير
24 مايو 2024
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
الجمهورية العربية السورية
شارك
طباعة:

عمّان وبروكسل: يتراجع الدعم المالي الدولي للمنظومة الصحية في شمال سوريا، فيما تفوق الاحتياجات الطبية في المنطقة الخدمات الطبية المتاحة بفارق كبير، علماً أن الشعب السوري هو من يتحمل عواقب الدعم المحدود وإقفال المستشفيات والمرافق الصحية. غير أن هذه الأوضاع المزرية قوبلت بخفض التمويل. وهنا تدعو منظمة أطباء بلا حدود المانحين الذين سيحضرون مؤتمر بروكسل إلى منح الأولوية لدعم قطاع الصحة السوري بالأموال.

فقد أدت سنوات النزاع الطويلة إلى مفاقمة التحديات التي يواجهها ملايين الناس في شمال سوريا لتأمين الرعاية الصحية، في ظل تراجع الدعم المالي الدولي للنظام الصحي السوري حسبما أفادت منظمة أطباء بلا حدود. إذ علق نحو ثلث المرافق الصحية في محافظتي إدلب وحلب أنشطته كلياً أو جزئياً نظراً لنقص التمويل، ما حرم 1.5 مليون شخص من خدمات الطوارئ والرعاية الصحية التي من شأنها إنقاذ حياتهم. كما يواجه 112 مرفقاً صحياً آخر خطر الإقفال بنهاية يونيو/حزيران وفقاً للسلطات المحلية. وتحثّ أطباء بلا حدود المانحين الدوليين والحكومات على تعزيز دعمها المالي فوراً للنظام الصحي في شمال سوريا.

تبدو الأوضاع في سوريا متردية قبيل مؤتمر المانحين الدوليين والدول المانحة الذي ينعقد في بروكسل بتاريخ 27 مايو/أيار. فالاستجابة للاحتياجات الإنسانية في سوريا عام 2024 تستدعي أموالاً مجموعها 4.07 مليار دولار أمريكي. لكن خطة الاستجابة الإنسانية لم تجمع حتى الآن سوى ستة بالمئة من هذا المبلغ، أي 326 مليون دولار أمريكي. ويتعين على المانحين الدوليين والدول المانحة تخصيص أموال كافية للرعاية الصحية، لا سيما وأن أوضاع الناس تزداد صعوبة في ظل تناقص عدد المرافق الصحية واكتظاظ ما تبقى منها، إلى جانب نقص الأدوية والطواقم.

 وفي هذا الصدد، يقول منسق أطباء بلا حدود الطبي المسؤول عن شمال غرب سوريا كارلوس آرياس: "يتحمل الشعب السوري العبء الأكبر للعجز المالي، لأن المستشفيات لا تحصل على التمويل. لذا حين يلتمس الناس الرعاية الصحية يجدون المستشفيات إما مقفلة أو بلا أطباء أو خاوية من الأدوية. وإن عثروا على طبيب فعليهم شراء الأدوية من صيدليات خاصة، وهو ما لا يمكنهم تحمل تكلفته".

ويمكن أن يؤدي العجز المالي وأثره على نظام الرعاية الصحية إلى تدهور المشاكل الصحية على المدى الطويل وزيادة تفشي الأمراض وتراجع جودة حياة الناس. وقد تتأثر على نحو خاص مجموعاتٌ معينة كالأطفال والنساء الحوامل في حال غياب حملات التطعيم. يأتي هذا والمنطقة تترنح أساساً في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضربها في فبراير/شباط 2023 والنزاع الذي يتواصل منذ أكثر من 13 سنة.

ويواجه الناس شحاً متفاقماً في المياه، يدفعهم إلى الاعتماد أكثر على نقل الماء بالصهاريج وشبكات المياه. لكن عدم انتظام إمدادات الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود يعيقان هذه الخدمات. بالتالي فإن نقص المياه يُجبِرُ الناس على اللجوء إلى آليات تكيف سلبية كخفض استهلاك الماء أو شرب مياه غير آمنة.

ولا تغطي أطباء بلا حدود سوى جزءٍ محدود من الاحتياجات، حيث تقدم مساعدات طبية وإنسانية ضرورية جداً في محافظتي إدلب وحلب. وتدعم أو تدير بشكل مشترك 6 مستشفيات، وقد نفّذت في عام 2023 أكثر من مليون استشارة في العيادات الخارجية وأكثر من 150,000 استشارة للأمراض غير المعدية. كما أشرفت على أكثر من 20,000 ولادة وأجرت أكثر من 25,000 استشارة فردية للصحة النفسية.

وفي هذا الخصوص، يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود المسؤول عن شمال غرب سوريا تييري غوفو: "عبّرنا عدة مرات عن مخاوفنا من أن خفض التمويل أكثر ليس حلاً لتدهور الأوضاع الصحية في سوريا. إذ تشهد فرقنا ويرى شركاؤنا الأثر المباشر والخطير لنقص التمويل على المرضى".

 من جانبه، يقول سليم محمد، وهو نازحٌ يعيش في شمال غرب سوريا: "اضطررنا لترك ديارنا بسبب الحرب وجئنا إلى شمال غرب سوريا. لكن منذ قدومنا إلى هنا ونحن نواجه صعوبات هائلة في تأمين الرعاية الطبية لأن المستشفيات التي كانت تعمل قد توقفت. عمري 68 عاماً وأعاني من السكري، وإقفال المستشفيات سيكون حكماً بالإعدام على من هم مثلي".

اضطر 77 مرفقاً صحياً في شمال غرب سوريا إلى تعليق أنشطته خلال الأشهر القليلة الماضية نظراً لنقص التمويل، بما في ذلك 17 مستشفى تسعةٌ منها متخصصة في رعاية النساء والأطفال.

وإزاء هذا، يقول منسق أطباء بلا حدود الميداني في إدلب كريم الراوي: "تلقت أطباء بلا حدود طلبات للدعم المباشر من ستة مستشفيات وخمسة مراكز رعاية صحية أساسية على الأقل، علماً أن ثلاثة منها تعتبر مرافق حيوية في مجال الرعاية الطبية في شمال غرب سوريا. وصحيحٌ أن أطباء بلا حدود تعتمد على أموالها الخاصة، غير أن هناك منظمات غير حكومية أخرى كثيرة تعتمد على التمويل العام ويتعرض نشاطها للخطر في حال خفض التمويل".

ومن أجل تحسين قدرة أهالي شمال غرب سوريا على الحصول على خدمات الرعاية الصحية لا بد من تأمين التمويل الكافي. وهذا سيمكّن من إعادة تأهيل المرافق الصحية التي تضررت من الزلازل، ويضمن تزويد المرافق بالإمدادات كي تعمل وتبلغ خدماتها على الأقل المستوى الذي كانت عليه قبل وقوع الزلازل. وهذا التباين بين تصاعد الاحتياجات وتقلص التمويل أمرٌ مرفوض ومتناقض.