المياه والصرف الصحي في شمال غرب سوريا: مخاطر صحية غير مرئية محدقة بالنازحين

 WASH Assessment Idlib Camps
تمرير
19 يونيو 2023
آخر
الدول ذات الصلة
الجمهورية العربية السورية
شارك
طباعة:

تحولت مدينة جنديرس السورية الواقعة في شمال غرب سوريا بالقرب من الحدود التركية – والتي كانت تُعرف بروعتها – إلى أنقاض، وهي تحمل حاليًا ندوب حرب لا هوادة فيها فضلًا عن الزلزال الأخير الذي ضرب البلاد. ففي شمال غرب سوريا، تسعة من كلّ عشرة أشخاص نزحوا مؤخرًا إلى المخيمات بسبب الزلازل قد سبق أن أجبرتهم الحرب على النزوح مرّة واحدة على الأقل.

اتخذ العديد من هؤلاء الأشخاص المخيمات مأوى مؤقتًا لهم، ولكنهم استفاقوا على واقع جديد قاسٍ خالٍ من الاستقرار وضرورات البقاء على قيد الحياة، لا سيما في جنديرس. ألحق الزلزال ضررًا واضحًا بنظام المياه والصرف الصحي في المدينة، والذي أُضعف بشدّة بفعل 12 عامًا من الحرب.

يستضيف مخيم "الإيمان" في جنديرس – والذي أُنشئ حديثًا – 2,130 شخصًا، حيث تعمل فرق من أطباء بلا حدود على الاستجابة لاحتياجات السكان هناك. ومن بين أولئك الذين يعيشون في المخيم، نجد أم حسن، وهي أم لخمسة أطفال، نزحت مؤخرًا عقب الزلزال بعدما انهار منزلها. وكانت قد تهجّرت مسبقًا من غرب حلب بسبب الحرب.

تقول أم حسن، "فقدنا كلّ شيء، بما في ذلك حياتنا الطبيعية. الحياة في المخيم صعبة للغاية، ومع محدودية الوصول إلى المياه النظيفة، ونقص مرافق الصرف الصحي والنظافة، يصاب أطفالنا بأمراض مثل الكوليرا والجرب وداء الليشمانيا. في الواقع، أصيب أطفالي الخمسة بداء الليشمانيا، مما ترك ندبات على وجوههم ستستغرق سنوات لتندمل".

عندما وصل الناس إلى هذا المخيم، واجهوا نقصًا في المياه النظيفة. حصل كلّ شخص على تسع لترات من الماء، في حين أنّ المعايير الدولية تتطلب 20 لترًا في اليوم. كذلك لا يوجد عدد كافٍ من المراحيض، بل مرحاض واحد لكل 90 شخصًا، كما لا يوجد نظام صرف صحي مناسب للتخلص من النفايات.

أوضح المنسق الطبي لأطباء بلا حدود في سوريا، حليم بوبكر، "إنّ البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في مخيمات النازحين الحديثة محدودة للغاية. ويؤدي الافتقار إلى المياه النظيفة واستخدام مصادر المياه الملوثة إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتهاب الكبد. كذلك يحدّ نقص المراحيض أو رداءتها من النظافة الشخصية والخصوصية، ويزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية مثل الجرب".

خلقت الظروف المعيشية المتدنية في المخيمات بيئة مواتية لانتقال الجرب، وهو حالة جلدية معدية ناتجة عن العثّ. رصدت أطباء بلا حدود وشركاؤها – من خلال العيادات المتنقلة وأنشطة الصحة المجتمعية – ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الجرب في شمال غرب سوريا خلال شهر مايو/أيار.

كشف تقييم أجرته شريكتنا السورية منظمة الأمين – في 10 مخيمات في عفرين تضم حوالي 13 ألف شخص – عن أكثر من 3,600 حالة جرب، حيث ظهر أكثر من نصفها في أطفال دون سن العاشرة. حللت فرقنا الأسباب الرئيسة لانتشار هذا المرض، ووجدوا أنّه مرتبط بشكل أساسي بمياه الصرف الصحي المفتوحة واستمرار ندرة المياه في المخيمات المتضررة.

أصبحت أنشطة المياه والصرف الصحي والنظافة من أولويات الاستجابة الطارئة لأطباء بلا حدود للحدّ من انتشار هذا المرض في حوالي 100 مخيم للنازحين. وزعنا أكثر من 8 ألاف متر مكعب من المياه النظيفة وتركيب أكثر من ألف خزان مياه و130 مرحاضًا متنقلًا، فضلًا عن صيانة 620 مرحاضًا و90 حمامًا. كما وزعنا 111 ألف من مواد الإغاثة، بما في ذلك مجموعات النظافة الشخصية ومستلزمات المطبخ ومستلزمات الحيض للنساء.

 

عقد من المعاناة

بالإضافة إلى تأثير الزلزال والحرب على نظام المياه والصرف الصحي، تعاني سوريا بشكل متزايد من ندرة المياه. تعتمد البلاد على مزيج من نقل المياه بالشاحنات من المنظمات الإنسانية وشبكات المياه، والتي يعيقها عدم استقرار التيار الكهربائي وتكاليف الوقود المرتفعة.

خلال شهر مايو/أيار، أجرت فرق أطباء بلا حدود تقييمًا في 48 مخيمًا للنازحين وقريتين في شمال غرب سوريا، تأوي ما يقرب من 60 ألف نازح. وبحسب التقييم، فإنّ 70 في المئة من المخيمات تعتمد على المياه المنقولة بالشاحنات كمصدر وحيد لمياه الشرب. وبالرغم من وجود المراحيض في جميع المخيمات، فإنّ نصفها يحتاج إلى صيانة، و70 في المئة من المخيمات تفتقر إلى مرافق الاستحمام. كذلك تفتقر 85 في المئة من المخيمات إلى شبكات صرف صحي تعمل بكامل طاقتها.

يقول منهل الفريج الذي تدير مخيمًا للنازحين في إدلب، "عندما وصلنا إلى هذا المخيم قبل خمس سنوات، لم نتمكّن من حل مشكلة نقص المراحيض والحمامات. الأرض صخرية هنا ويصعب الحفر فيها، لذلك لم نتمكن من تأمين مراحيض مناسبة".

ويضيف الفريج، "معظم حفرات المجاري المؤقتة التي يحفرها الناس باستخدام الأدوات البدائية ليست مناسبة. وهذا يعني أن أمراضًا مثل الجرب والقمل شائعة لغياب مرافق الصرف الصحي المناسبة. يمكن للعائلات الاستحمام مرّة واحدة فقط كلّ عشرة أيام".

بالرغم من الحاجة الملحة للمساعدة، لم يؤمن قطاع المياه والصرف الصحي في سوريا سوى حوالي ثمانية في المائة من التمويل اللازم لعام 2023. يتسبب النقص المستمر في التمويل، إلى جانب عدم القدرة على تنفيذ مشاريع مستدامة طويلة الأمد، في زيادة عرقلة الجهود الرامية إلى توفير خدمات المياه والصرف الصحي الكافية لمن هم في أمس الحاجة إليها.

يقول بوبكر، "الطريق للحدّ من المخاطر الصحية غير المرئية التي تفرضها المياه والصرف الصحي على النازحين في سوريا تبدو طويلة وصعبة. لحماية صحة المتضررين من الحرب والزلازل في سوريا وكرامتهم، تظهر الحاجة إلى العناية العاجلة وتأمين تمويل إضافي هادف، فضلاً عن ضمان الوصول المستدام وغير المتحيز للمساعدات الإنسانية".