اليمن: "لا انحسار في طفرة حالات الحصبة"

Measles in Taiz Houban
تمرير
26 مارس 2024
الدول ذات الصلة
اليمن
شارك
طباعة:

بعد ستة أشهر من تضاعف أعداد الأطفال المصابين بالحصبة، تصف الدكتورة إي إي خاي، رئيسة الفريق الطبي لأطباء بلا حدود في مستشفى الأم والطفل في تعز الحوبان، الجهود المبذولة لمعالجة هذا المرض المهدد للحياة

"لقد رأيت بنفسي كيف تؤثر الزيادة الحالية في حالات الحصبة على الأطفال في مستشفى أطباء بلا حدود هنا في تعز الحوبان في اليمن. وعلى الرغم من أنّ الحصبة مرض يمكن الوقاية منه، فإنّ نسبة التطعيم بين الأطفال الذين نعالجهم من الحصبة لا تتجاوز 16 بالمئة. وبمجرد انتشار الفيروس في المجتمع، يمكن أن ترتفع معدلات الإصابة بالمرض والوفيات، خصوصًا بين الأطفال الصغار.

الحصبة مرض متوطّن في المنطقة التي نعمل فيها. وقد اعتدنا على معاينة ما معدله ثمانية مرضى بالحصبة كل شهر في مستشفانا للأم والطفل. إلا أن هذا النمط قد بدأ بالتغيّر في يونيو/حزيران الماضي. وفجأة بدأت الأعداد تتزايد بشكل مقلق، مع وصول أطفال من مختلف مديريات محافظة تعز إلى مستشفانا.

وسرعان ما تضاعف عدد مرضى الحصبة. وأردنا تجنب خطر انتقال الفيروس في أجنحتنا، لذلك قررنا في أواخر أغسطس/آب افتتاح وحدة مخصصة لعزل الحصبة. وبعد مرور ستة أشهر، لا انحسار في طفرة حالات الحصبة، ويبدو أنّ جهودنا لمعالجة العدوى واحتوائها محدودة للغاية.

يسهل في البدء تفويت الأعراض أو تشخيصها بشكل خاطئ. فحتى اليوم الرابع من الإصابة بالحصبة، تظهر على الطفل أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا: الحمى والسعال والتهاب الأنف والتهاب الحلق، ولكن بعد مرور اليوم الرابع، تظهر على الطفل بقع الحصبة أو الطفح الجلدي.

يتأثر الأطفال دون سن الخامسة بشكل خاص بالحصبة لأّن أجهزتهم المناعية ليست متطورة بما يكفي لمقاومة العدوى. بمجرد إصابة الأطفال بالحصبة، يسبب الكبت المناعي المؤقت حالات عدوى مرتبطة بالحصبة مثل الالتهاب الرئوي والتهاب الملتحمة والتهاب الأذن والفم والإسهال وتورم الدماغ.

نستقبل عديدًا من الأطفال الذين يعانون من حالات معقدة من الحصبة – وهو عدد لم أشهده من قبل في حياتي. ولا يوجد سبب واحد بسيط لذلك.

يكافح الناس في تعز للحصول على الرعاية الصحية، كما هو الحال في بقية أنحاء اليمن. فقد أسفر النزاع المستمر منذ قرابة عقد في اليمن عن خسائر مدمرة أصابت البنية التحتية الصحية في البلاد؛ فالكثير من المرافق الصحية إمّا خارجة عن الخدمة أو غير مجهزة لتلبية احتياجات الناس. إضافة إلى ذلك، فالخدمات الصحية الأساسية في مرافق الصحة العامة مكلفة على غالبية الناس ذوي القدرات المالية المحدودة للغاية.

يدفع الافتقار إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية مرافقي المرضى إلى تأخير إحضار أطفالهم المرضى إلى المستشفى على أمل أن تختفي الأعراض من تلقاء نفسها بمساعدة الأدوية من الصيدلية المحلية، إذا كانت متوفرة. كذلك يتمثل عائق إضافي في المسافات الطويلة التي يتعين على الناس قطعها للوصول إلى هنا، حيث إنّ معظمهم بالكاد يستطيعون تحمل تكاليف النقل.

لا يضم مستشفانا وحدة للعناية المركزة، لذلك نقوم بإحالة المرضى الذين يحتاجون إلى تنفس اصطناعي ميكانيكي إلى مستشفيات أخرى. يخبرني مرافقو المرضى أحيانًا أنهم يفضلون إبقاء أطفالهم في مرفقنا المجاني ويتركون الباقي لمشيئة الله.

جاء محمد* – البالغ من العمر أربعة أعوام ونصف – إلى المستشفى بعد أسبوع من إصابته بطفح جلدي بسبب الحصبة. كان يعاني من التهاب الدماغ، وهو أحد المضاعفات النادرة التي تتبع الإصابة بالحصبة. وشملت أعراضه الحمى وانعدام التوازن والضعف في الجزء السفلي من الجسم. وأمضى محمد 15 يومًا في المستشفى، واختفت بعد ذلك أعراضه تدريجيًا وتمكن من المشي مرّة أخرى. أشعر بأنني ذات فائدة عندما أرى المرضى يتحسنون وعندما أساعد في تخفيف معاناتهم.

إلا أنّ قدراتنا محدودة عندما يصل المرضى إلى المستشفى في مرحلة متأخرة من مرضهم. لن أنسى أبدًا عبد الله*، البالغ من العمر عامين ونصف، والذي أُدخل إلى وحدة علاج الحصبة في الساعة 7:30 ذات مساء. وصل عبد الله مصابًا بطفح جلدي وحمى وتقرحات ضخمة حول فمه وشفتَيْه. اشتبهنا بإصابته بالدفتيريا إلى جانب عدوى الحصبة.

وبحلول الساعة 11:30 مساءً، كان عبد الله يعاني من ضيق متزايد ولم يتمكن من التنفس بشكل جيّد. وفي الساعة 12:30 صباحًا، بدأت تظهر عليه علامات الإنتان أو تسمم الدم. كنا نستعد لنقله إلى مستشفى حكومي يعالج الدفتيريا، لكننا خشينا ألّا يحتمل جسده مسافة ساعتَيْن بالسيارة للوصول إلى هناك.

وفي الساعة 3:30 صباحًا، أصيب بصدمة إنتانية مع ظهور علامات انسداد حاد في مجرى الهواء، لذلك ركبنا له أنبوبًا حنجريًا لمساعدته على التنفس بشكل أفضل. إلا أن كلّ هذه المضاعفات – ولسوء الحظ – قد أنهكت جسده وأصيب بسكتة قلبية رئوية ولم ينجُ. لقد كسر مماته قلبي.

وفي الفترة بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2023، استقبلت وحدة علاج الحصبة 1,332 طفلاً، 85 في المئة منهم دون سن الرابعة. وفي شهر فبراير/شباط 2024 وحده، استقبلنا 220 إصابة بالحصبة. ولا تَعِدُ توقعاتنا الوبائية بانخفاض في استقبال المرضى في أيّ وقت قريب. وإذا لم يُحتوى انتقال الحصبة، فإنّ الأطفال في هذه المنطقة سيعانون من الكثير من الأمراض التي قد تصبح قاتلة إذا لم تُعالج بشكل صحيح في الوقت المناسب".

*تم تغيير الأسماء للحفاظ على الخصوصية