السودان: مدينة كرينك اليوم أطلالٌ محترقة بعد الهجوم الذي وقع العام الماضي

WD Sudan
تمرير
23 فبراير 2023
قصة
الدول ذات الصلة
السودان
شارك
طباعة:

أدى هجوم وحشي على منطقة كرينك، على بعد حوالي 60 كم شرق عاصمة غرب دارفور، في أبريل 2022 إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الكثيرين وتشريد عشرات الآلاف من منازلهم. وتعرض مستشفى كرينك، الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود، للهجوم، حيث قُتل اثنان من موظفي المستشفى وثمانية مرضى، ونُهبت صيدلية المستشفى، مما تسبب بأضرار جسيمة على الخدمات الصحية في المنطقة. وعاد فريق من أطباء بلا حدود إلى كرينك في ديسمبر 2022 لإعادة بناء المستشفى. وقاموا بتجديد غرفة الطوارئ وجناح الولادة وجناح الأطفال للبدء في علاج المرضى في أسرع وقت ممكن. وفيما يلي يتناول منسق مشروع أطباء بلا حدود الدكتور برنس ماثيو القصة.

"الوضع في غرب دارفور بالسودان غير مستقر البتة وقد تأثرت منطقة كرينك بشكل خاص بالعنف خلال السنوات الأخيرة. فالوضع الذي يبدو هادئاً للغاية اليوم قد يصبح عنيفاً جداً غداً. ويؤثر العنف على الجميع، بغض النظر عن المنطقة التي هم منها.

أضحت منطقة (كرينك) اليوم أطلالاً محترقة بعد هجوم العام الماضي. فقد أُحرقت مئات المنازل بالكامل. ويعيش العديد من الناس في مخيمات نزوح مكتظة بالسكان في محيط المستشفى. وتمتلئ الأماكن العامة والمدارس الآن بمئات الخيام والملاجئ المؤقتة. والجو يملأه الغبار والحر والرطوبة. وقد أُحرقت جميع الأشجار تقريباً في هجمات سابقة. والمصدر الوحيد للمياه هو العربات التي تجرها الحمير.

يواجه الناس في كل من كرينك والمناطق الريفية صعوبات في الوصول إلى الأسواق لشراء الطعام. ففي أيام السوق كانت هناك هجمات على الناس القادمين إلى المدينة. وظلت الحالة في المنطقة متقلبة ومتوترة لعدة أيام بعد هذا العنف.

كما أن العديد من أهالي المجتمعات الزراعية غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية في محيط المنطقة التي يعيشون فيها، في حين أن المجتمعات الرعوية غير قادرين على رعي مواشيهم، وهو أمر ضروري لسبل عيشهم. إضافة إلى التضخم بنسبة 300 في المئة في السودان، الذي جعل الحياة صعبة للغاية.

وعاد فريق من أطباء بلا حدود إلى كرينك بعد وقت قصير من الهجوم، وسيَّر عيادات متنقلة في القرى ومستوطنات الرحل المحيطة بالمنطقة. ونرى أعداداً متزايدة من الأطفال المصابين بسوء التغذية يأتون إلى عياداتنا المتنقلة. ونحيل الكثير منهم إلى مستشفى الجنينة أو كرينك.

مستشفى كرينك هو مرفق الرعاية الصحية الثانوية الوحيد لحوالي 480,000 شخص. وبعد الهجوم، تعطلت الخدمات الأساسية، وغرق المستشفى بعدد المرضى الذين يأتون للحصول على الرعاية الصحية. وكان هناك عدد قليل من الأطباء أو الممرضين لتقديم العلاج.

كانت خطوتنا الأولى للعودة إلى كرينك في ديسمبر/كانون الأول 2022 هي التفاوض على الوصول الآمن على الطريق من الجنينة، حيث تكثر عمليات النهب والسطو المسلح.

شرعنا في التواصل مباشرة مع المجتمعات التي تعيش على طول هذا الطريق، والاجتماع مع مجموعات من الشباب والشيوخ والنساء؛ كما تفاوضنا مباشرة مع جميع الجماعات المسلحة في المنطقة لشرح حيادنا وعزمنا على دعم المستشفى في كرينك وتوفير رعاية صحية مجانية عالية الجودة متاحة للجميع.

التواصل المجتمعي أمر حيوي: فإذا كنا لا نعرف ما يحتاجه المجتمع، فلن نكون قادرين على خدمتهم بالطريقة الأنسب. ذهبنا لمقابلتهم، تناولنا وجبات الطعام معهم، جلسنا معهم واستمعنا إلى احتياجاتهم الأساسية. طلبنا الحصول على آرائهم حول عياداتنا المتنقلة وما يمكننا فعله بشكل أفضل.

أخبرونا أن أكبر الاحتياجات كانت رعاية إصابات الحوادث والطلقات النارية وحالات الطوارئ الأخرى. وسلطوا الضوء على حاجة النساء إلى مكان آمن لولادة أطفالهن والحاجة إلى الرعاية الطبية للأطفال.

أنشأنا مشروعنا في مستشفى كرينك بسرعة كبيرة. ولا يتوقف تدفق المرضى أبداً، ومن المهم أن تكون قادراً على توفير الرعاية الصحية بأسرع ما يمكن، لأن إنقاذ الأرواح أمر مهم كل يوم.

كانت أولويتنا هي غرفة الطوارئ. في مكان يوجد فيه الكثير من العنف، كل حياة وكل ثانية تمر لها أهميتها. ثم قمنا بسرعة بفتح جناح الولادة – وقد ولد بضعة أطفال هناك. ونحن على وشك فتح جناح الأطفال قريباً جداً.

وقد عمل العديد من موظفينا مع منظمة أطباء بلا حدود في مشاريع أخرى وجلبوا قدراً هائلاً من التفاني والخبرة معهم. معاً قمنا بعمل مدهش في القدرة على تجهيز المستشفى بهذه السرعة. وقد وضعنا جانباً أدوارنا المعتادة كأطباء أو ممرضين، فنظفنا المرفق وأعدنا طلاءه معاً. وقمنا بتفريغ شاحنات مليئة بالمعدات والمواد الطبية والأدوات الجراحية.

والكثير من أعضاء الفريق هم من غرب دارفور. بعضهم فقدوا أفراداً من أسرهم في هجوم العام الماضي. بالنسبة لهم، كانت إعادة بناء المستشفى تنطوي على الكثير من المشاعر الشخصية.

كما أنشأنا نظام إحالة بين كرينك والمستشفى التعليمي العام في الجنينة، عاصمة غرب دارفور. فهناك دائماً مرضى يعانون من مضاعفات لا يمكننا علاجها في كرينك. وحرصنا على أن يكون ممكناً إجراء الإحالات، ليلاً أو نهاراً وبسرعة، مع وجود ممرض من أطباء بلا حدود ومعدات طبية على متن سيارة الإسعاف حتى يمكن إنقاذ الأرواح.

WD Sudan

معظم الناس في كرينك يستخدمون الحمير والخيول والجمال للتنقل. يصل العديد من مرضانا على عربات إسعاف يجرها حمار لأن المركبات الآلية باهظة التكلفة أو لا تتوفر بسهولة. وطريقة التنقل هذه بطيئة وتنطوي على إشكاليات أمنية، خاصة بعد حلول الظلام. لهذا السبب نسيِّر عيادات متنقلة خارج المدينة - نذهب إلى الناس بدلاً من أن يأتوا إلينا. لدينا أيضاً فريق من العاملين الصحيين المجتمعيين المدربين المتاحين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ودورهم حيوي في قراهم.

في 22 يناير، أعدنا فتح غرفة الطوارئ، حيث يمكن معالجة مصابي الحوادث أو مصابي الأعيرة النارية أو الحوادث العنيفة على مدار الساعة. كما افتتحنا جناحاً جديداً للأمومة حيث يمكن ولادة الأطفال بأمان، وقريباً سنفتتح جناحاً جديداً لطب الأطفال. ولد الطفل الأول يوم الخميس 26 يناير. وكانت الأم قد فقدت طفلاً في السابق لأنها لم تملك تكاليف دخول المستشفى. كانت سعيدة جداً بافتتاح جناح الأمومة في كرينك وأنه مجاني. وبعد أسبوعين جاءت مع ابنتها الصغيرة التي سمَّتها نعمة، للحصول على التطعيم الروتيني، ومتابعة رعاية ما بعد الولادة. نأمل أن يساهم وجودنا في كرينك في تحسين الرعاية الصحية لجميع الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها هنا".

وخلال الأسبوع الأول من إعادة فتح المستشفى، عالج فريق أطباء بلا حدود في غرفة الطوارئ في مستشفى كرينك 16 مريضاً، معظمهم من إصابات ناجمة عن طلقات نارية وحروق. ومنذ 22 يناير، ساعدت القابلات في منظمة أطباء بلا حدود 9 نساء على الولادة بأمان في جناح الأمومة بالمستشفى. وفي الوقت نفسه، تواصل فرق أطباء بلا حدود تسيير عيادات متنقلة في منطقة كرينك ونقل المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة إلى مستشفى الجنينة التعليمي.