تمرير

البنغاليون في مركز الاستجابة الإنسانية

28 فبراير 2018
قصة
الدول ذات الصلة
ميانمار
شارك
طباعة:

يعمل أكثر من 2000 موظف محلي وأجنبي، من أطباء وممرضين ومستشاري صحة نفسية وعمال خدمات لوجستية ومترجمين وأخصائيين اجتماعيين في إطار استجابة أطباء بلا حدود الطبية والإنسانية التي تصاعدت وتيرتها منذ أواخر آب (أغسطس) 2017. يقف موظفو أطباء بلا حدود البنغاليون في طليعة الاستجابة للكارثة التي يواجهها اللاجئون الروهينغيون. أكثر من 688 ألف لاجئ من الروهينغيا وصلوا إلى كوكس بازار فارين من أحداث العنف التي اجتاحت ولاية راخين في ميانمار منضمين بذلك إلى آلافٍ من اللاجئين الآخرين من الروهينغيا الذين هربوا من ميانمار في موجات العنف السابقة.

تقييم الحاجات الأساسية الأوليّة

محمد عبد القادر، طبيب

msf223622high.jpg

يعمل محمد منذ ثلاثة أشهر في معبر سابرانغ الحدودي جنوب شبه جزيرة كوكس بازار وهي النقطة التي يدخل منها اللاجئون الروهينغيون القادمون من ميانمار عند وصولهم إلى البلاد وهنا يعمل فريق متنقل من طواقم العمل التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود.

عادةً نقوم بإرسال شخصٍ ما كل يوم ليتحدث مع حرس الحدود البنغاليين ليرى فيما إذا كان هناك قادمون جدد. نتحدث إليهم لنضمن أن يتم إدخال الحالات الصعبة بشكلٍ أسرع. في معظم الأحيان يأتي الرجل أولاً ثم تأتي الزوجة والأطفال بعد بضعة أسابيع، وبعد أن يكون الرجل قد استطلع الوضع. معظم القادمين الجدد هم من النساء والأطفال.

كان هناك ازدحامٌ كبير في شهري تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر). في شهر كانون الأول (ديسمبر) بدأت الأعداد تتناقص إلى أن وصلت إلى بضع مئات فقط في الأسبوع، لكن تدفق اللاجئين ظل مستمراً. هناك أيامٌ لا يأتي فيها أحد على الإطلاق. في الأيام التي تخلو من القادمين الجدد نقدم خدماتنا أيضاً للسكان المحليين.

يتألف فريق عملنا من 10 أشخاص حيث نقوم بعمل مسح للوضع الغذائي للأطفال كما نقوم بإعطاء عدة أنواع من اللقاحات (ضد الدفتريا، شلل الأطفال، الخ). المشكلة الأكثر شيوعاً الآن هي التهابات المجاري التنفسية، بينما في تشرين الثاني (نوفمبر) كان المرض الذي يعاني منه جميع القادمين تقريباً هو الإسهال. البعض كانوا قد اختبؤوا لمدة 15 إلى 20 يوماً قبل أن يصلوا إلى المعبر الحدودي وآخرون لم تستغرق منهم الرحلة سوى يومين. ولكن مهما اختلفت الظروف إلا أن على الجميع المجيء إلى هنا وتسجيل أنفسهم ليتمكنوا من الحصول على المساعدة.

يكلف العبور من ميانمار إلى بنغلاديش مبالغ تتراوح بين حوالي 2500 تاكا بنغالية (24 دولار) و 12555 تاكا بنغالية (121 يورو) للشخص الواحد. وفي الأوضاع العادية يستغرق عبور نهر ناف حوالي ساعتين، ولكن يمكن أن يستغرق الأمر 4 ساعات حين يسلك الواصلون طريقاً طويلاً حول البحر. وينتظر الناس عادةً في ميانمار لمدة ثلاثة أو أربعة أيام إلى أن يصبح القارب جاهزاً ثم يسافر في كل قارب بين 30 إلى 60 شخصاً.

يقول المرضى أن قراهم قد أصبحت خاوية تقريباً ولذلك فلم يعودوا يشعرون فيها بالأمان.

مكافحة مرض غير معروف

وسيم فيروز، طبيب

msf223638high.jpg

وسيم طبيب في الثامنة والعشرين من العمر يعمل في مركز معالجة الدفتيريا التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في مونينارغونا [تم تحويلها لاحقاً إلى قسم للمرضى الداخليين]. وسيم مولودٌ في مدينة كوكس بازار وقد انضم إلى فريق العاملين في منظمة أطباء بلا حدود في كانون الأول (ديسمبر) 2017. قبل ذلك كان وسيم يعمل في مستشفى في داكا ولكنه اختار الانتقال إلى منظمة أطباء بلا حدود لمساعدة لاجئي الروهينغيا في محنتهم. يعمل وسيم الآن في قسم معالجة الدفتيريا مع زملائه الأطباء محليين وأجانب وفيها تعلم مكافحة مرضٍ لم يكن يعرف عنه إلا ما قرأه أثناء الدراسة. وخلال مدة لا تزيد عن شهرين قام الفريق الطبي بمعالجة أكثر من 800 حالة في هذا المرفق الطبي.

نعمل هنا في مناوبتين: واحدة صباحية وأخرى مسائية. نقوم بجولاتنا الصباحية وننتظر وصول المرضى من المراكز الطبية المختلفة. من المفيد، بشكلٍ عام، العمل مع أناسٍ من جنسيات مختلفة. إنها تجربة مفيدة. يجب أن يبذل الجميع جهدهم لمساندة ودعم الروهينغيا. لقد أُجبِروا على ترك بلادهم وعلينا أن نفعل ما في وسعنا لمساعدتهم. في البداية كنا أربعة أطباء بنغاليين فقط في هذا المركز وكان علينا أن نعمل لوحدنا ليلاً دون معدات كافية. في بدء اندلاع جائحة الدفتيريا كان يأتينا أحياناً 50 إلى 60 مريضاً في اليوم وكنا نعمل في خمس خيام إذ أن المركز لم يكن قد اكتمل بناؤه بعد. مرت بنا ليالي عانينا فيها من البرد القارس.

بعض السكان المحليين في كوكس بازار بدؤوا يشعرون بالقلق من أن يتحولوا إلى أقلية مع وصول هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين. إن الأمر يثير مخاوفهم. ولكن من المهم أن ندرك أن الروهينغيا لم يختاروا القدوم إلى هنا بإرادتهم، لقد اضطروا للقدوم للمحافظة على حياتهم. نحن أنفسنا واجهنا محنةً مماثلة في عام 1971 خلال حرب التحرير وقد فر حينها الملايين من البنغاليين بحياتهم لاجئين إلى البلد المجاور: الهند.

في كل يوم حين نقوم بتفقد مرضانا ويقول بعضهم أنه تحسّن ولم يعد يعاني من الألم أو من ارتفاع درجة الحرارة نشعر بالرضى لأننا تمكنا من السيطرة على جزء آخر من المرض. ولكن من جهةٍ أخرى، مررنا بلحظات حزينة جداً حين فقدنا اثنين من مرضانا، طفلة صغيرة في الثالثة من العمر وطفلة أخرى في الثامنة من العمر. ماتتا أمام عيني. فعلنا كل ما في وسعنا. في البداية كانت الطفلة الصغيرة بحالة جيدة ولكن في الساعة 11 ليلاً بدأت حالتها بالتدهور. كان مستوى المرض في جسدها عالياً ولديها مشاكل في التنفس. في الثالثة فجراً قمنا بإجراء محاولة إنعاش قلبي-رئوي، ولكنها في الساعة الرابعة فارقت الحياة.

لا بد من أن يدرك العالم حجم المعاناة ومدى الاحتياجات التي يحتاجها هؤلاء.

إتاحة أماكن آمنة للتخفيف من معاناة اللاجئين

خديجة شودري، مستشارة محلية للصحة النفسية

msf223649high.jpg

تعمل خديجة في عيادة أطباء بلا حدود بجانب مخيم نايابارا للاجئين منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر). كانت خديجة ربة منزل ولكن زوجها رأى إعلاناً عن الوظيفة وشجعها على التقدم لها. وهي الآن إحدى أعضاء فريق مؤلف من أربعة أشخاص يقدم الدعم النفسي للاجئي الروهينغيا. وقد ازداد حجم المخيم بشكلٍ كبير في الأسابيع القليلة الأخيرة.

معظم النساء هنا فقدن أزواجهن أو أبنائهن. منازلهن أحرقت، ولديهنّ مخاوف كبيرة من المستقبل. بالنسبة للمرضى فإن الاستشارات المتعلقة بالصحة النفسية هي شيء جديد عليهم. لم تكن مثل هذه الخدمات متاحة لهم في ميانمار. الاستشارات تشعرهم بالراحة لأنهم يجدون من يستمع إليهم بينما يقصون معاناتهم.

مدربو الصحة النفسية العاملون لدينا يعملون بشكل مباشر مع تجمعات الروهينغيا. يقومون باختيار الأشخاص الذين يتم تحويلهم إلينا. عدد كبير من المرضى يعانون من الأرق. بعض المرضى يتم تحويلهم إلى عيادة كوتوبالونغ إذا تقرر أن لديهم مشاكل نفسية. ألتقي بأربعة إلى خمسة مرضى جدد كل يوم. وأقوم بجلسات متابعة لأربعة آخرين. تتراوح مدة الجلسة بين 45 دقيقة وساعة. ويكون المرضى عادةً من البالغين، نساءً ورجالاً، ولكن اليوم لدينا مريض طفل. خلال شهرين ونصف الشهر قدمنا الاستشارات المتعلقة بالصحة النفسية لمئة وثمانين مريضاً في هذه العيادة.

الناس يجدون سهولة في التحدث مع الاستشاريين لأنه مع المعاناة التي تثقل كواهلهم، يفضلون أن يتحدثوا عن هذه الهموم والمعاناة لشخص من خارج دائرة معارفهم. أتذكر حالةً مرت علي لشاب في الثامنة عشرة من عمره لم يتبق لديه أحد. قتل والده ووالدته وأخوه وتعرض هو للضرب الشديد. جعله غير قادرٍ على تحريك ساقه. أتى إلى العيادة بسبب ألمٍ في يده. كان يعمل في ميانمار كعامل بالمياومة، لكنه الآن غير قادرٍ على فعل أي شيء. يتلقى بعض مواد الإغاثة ويتسوّل المال. في جلساتنا كنت أسأله عما يحب أن يفعله ليحصل على شعورٍ أفضل فيقول أنه يجد بعض الراحة في التفكير بوالديه وفي مشاهدة التلفزيون في المقهى القريب من سكنه. شجعته على القيام بالأشياء التي تجعله يشعر بالراحة. قلت له: "أنت لست وحدك في هذه الحياة، فكل إنسان في هذا العالم هو عونٌ لأخيه الإنسان".