تمرير

انعزاليون وغاضبون وقلقون ومجهدون: حال الصحّة النفسية في العراق

3 أبريل 2018
قصة
الدول ذات الصلة
العراق
شارك
طباعة:

إن الندوب النفسية والعاطفية التي خلّفتها الحرب في العراق عميقة جداً، ويحتاج آلاف الأشخاص إلى المساعدة المرتبطة بالصحة النفسية. وتعدّ أنشطة الصحة النفسية مكوّناً أساسياً في العديد من مشاريع منظمة أطباء بلا حدود، إذ تتألّف فرقنا من أطباء مؤهلين ومعالجين ومرشدين نفسيين يقدمون الرعاية الضرورية للحالات المتوسطة والشديدة، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والفصام والقلق الحاد.

جاسم حامد، 32 عاماً، فرّ من منزله في المقدادية (وسط العراق) في عام 2014، وانتهى به المطاف في مخيم الوند 1 في محافظة ديالى حيث يعمل حالياً مع منظمة أطباء بلا حدود كمرشدٍ نفسيّ.

لماذا تركتَ منزلكَ وأتيتَ إلى مخيّم الوند 1؟

في يوليو/تموز من عام 2014، شهدت المنطقة بالقرب من منزلي في المقدادية الكثير من القصف وإطلاق النار وقُتل الكثير من الناس على إثرها. قالت أمي أنّ الوضع لم يعد آمناً وعلينا الرحيل، فغادرت برفقة عائلتي.

أثناء فرارنا، شاهدنا المعارك والقصف في المنطقة، ورأينا عائلات تُقتل، إذ لقيت عائلة بأكملها حتفها جرّاء غارة جوية أصابت السيارتين اللتين كانتا خلفنا.

كان عُمْر أصغر أولادي عثمان عشرة أيام في ذلك الحين، وكنت أعتقد بأنه لن يعيش. ولكنه وبفضل الله ما يزال هنا على قيد الحياة – وعمره ثلاث سنوات. وخُطف أخي الأصغر عندما عاد إلى بلدتنا في محاولةٍ منه لإكمال دراسته، حيث اقتيد من منزل والدتي، ولا نزال لا نعرف مكانه حتى اليوم.

تنقلنا من مخيم إلى مخيم إلى أن وصلنا إلى هنا في مخيم الوند 1. لم تتوفر مياه أو كهرباء في بعض المخيمات التي أقمنا فيها. عملت مع منظمات غير حكومية أخرى في المخيم، ثم قدمت طلباً للعمل لدى منظمة أطباء بلا حدود في مخيم الوند 1.

كيف هو الوضع في مخيم الوند 1، وما هي التحديات التي تواجه سكّان المخيم؟

يعيش أكثر من 3 آلاف نازحٍ في مخيم الوند 1، ويأتي معظمهم من المناطق والبلدات المحيطة بالمخيم كالسعدية وجلولاء والمقدادية. فرّ غالبية الناس من النزاع مع تنظيم الدولة الإسلامية. ويعيش الناس داخل المخيم في بيوتٍ متنقّلة لديها حمامات مشتركة، كما وتوجد مدرسة ومركز صحيّ تديره منظّمة أطباء بلا حدود في المخيم.

يواجه النازحون الذين يعيشون في المخيم الكثير من التحديات. ولعلّ التحدي الأصعب بالنسبة إليهم هو الوضع المادي، وغالباً ما يؤثر ذلك على وضعهم النفسي. وقد استسلم البعض منهم وقالوا: "حياتنا انتهت ولقد أَنهكنا".

وبالإضافة إلى الهموم المادية، يأتي الخوف من المستقبل المجهول. فقد تجدد الصراع في المنطقة وازدادت مخاوف الناس. لا يتمكن بعض الأشخاص من التواصل مع أفراد عائلتهم، وآخرون ممن تضررت منازلهم جرّاء النزاع لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم. تقول بعض العائلات بأنها لا تشعر بالراحة في العيش ضمن مساكنهم الحديدية، حيث تبدو وكأنها سجن وليس منزلاً بالنسبة إليهم. أصبح بعض الأشخاص انعزاليين وغاضبين وقلقين ومجهدين، كما وتظهر لدى بعض الأطفال عوارض السلوك العدواني والتبوّل اللاإرادي والقلق.

في إحدى الحالات التي كنتُ أتولّاها، كان رجلٌ منعزلاً جداً ولا يغادر مسكنه أبداً. بدأتُ أتردّد إليه حتى أخبرني قصته في أحد الأيام. كان ابنه قد اختطف على يد مجموعة مسلحة. تمكّن الرجل من إعادة ابنه، لكن خلال مرورهما على حاجز التفتيش الأخير قبل وصولهما إلى المنزل، أخذت المجموعة المسلحة نفسها ابنه مرة ثانية وأطلقت النار على رأسه ثمّ رمته في الخندق. يقول هذا الرجل أنّه يشتاق لابنه كلّ يوم.

عندما يمرّ الناس بظروفٍ صادمة كهذه، يصبح من الصعب عليهم أن يتأقلموا مع أوضاعهم. فما بالك إن كان هؤلاء يعيشون في الوقت الحاليّ في مخيم حيث لا يمكنهم استكمال حياتهم بشكلٍ طبيعيّ ويصعب عليهم تخيّل مستقبلهم؟ يمكن أن يحمل ذلك آثاراً شديدة عل صحّتهم النفسية.

ما هي طبيعة عملك مع منظّمة أطباء بلا حدود؟

يتضمّن عملي مع منظمة أطباء بلا حدود تحديد الأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم نفسي ورفع مستوى وعي الناس حول الصحة النفسية والخدمات التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود، كما وأدير جلسات الإرشاد النفسيّ الجماعية مع زملائي. وفي حال كانت حالة شخصٍ ما شديدة، نحيله إلى المعالج النفسيّ الذي يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود.

تعتبر جلسات الإرشاد الجماعية وسيلة جيدة لتحديد الأشخاص الذين يحتاجون المزيد من الدعم النفسيّ. فمثلاً، نواصل تقديم الدعم للأشخاص الذين يلزمون الصمت أو يبدون منعزلين أو لم يمكنهم التركيز خلال الجلسة الجماعية. كما ويتردّد الأهالي إلينا بعد الجلسات الجماعية ليشاركونا مخاوفهم في ما يتعلّق بأولادهم، كتبليلهم للفراش أو شعورهم بالقلق، ويطلبون منا المساعدة.

*********

في فبراير/شباط من عام 2018 وفي مخيم الوند 1، قدمت منظمة أطباء بلا حدود 213 استشارة فردية و287 استشارة جماعية حول الصحة النفسية. وتقدم منظمة أطباء بلا حدود في المخيم أيضاً الاستشارات حول الأمراض غير السارية، وخدمات الصحية الإنجابية وجلسات التوعية الصحية. وفي كلٍّ من جلولاء والسعدية حيث يعود الناس إلى منازلهم، توفر منظمة أطباء بلا حدود العلاج للأمراض غير السارية وخدمات الصحة النفسية والرعاية الصحية الإنجابية وذلك بالتعاون مع مديرية الصحة.