تمرير

الأردن: علاج المرضى في البيوت

14 سبتمبر 2017
قصة
الدول ذات الصلة
الأردن
شارك
طباعة:

يرتدي كل من مهند وسمير حذاء كروكس، إذ أن

"الأحذية التي يسهل ارتداؤها وخلعها أفضل بكثير حين تزور بيوت الناس بشكل متكرر"
كما يقول مهند.

يركبان وهما يتحدثان ويشيران بأيديهما في حافلة صغيرة برفقة معتز الذي سيكون سائقهما اليوم. يتصرف هؤلاء الثلاثة وكأنهم أصدقاء منذ زمن طويل حيث يتمازحون ويضحكون. ويقول سمير:

"علينا أن نكون أصدقاء ونستمتع بوقتنا، خاصةً وأننا نقضي مع زملائنا في بعض الأحيان وقتاً أطول مما نقضيه مع أسرنا".

يعمل سمير ممرضاً فيما يعمل مهند طبيباً. ويقومان كل أسبوع بزيارة اللاجئين السوريين والسكان الأردنيين المستضعفين الذين يعانون من أمراض غير معدية في محافظة إربد التي تقع في شمال الأردن. واليوم سيزوران أربعة مرضى حيث سيقطعان مسافةً أطول من المعتاد ذهاباً إلى مناطق جديدة بهدف الوصول إلى أولئك الذين يقطنون على مسافة بعيدة عن مركز مدينة إربد.

بدأ برنامج الزيارات المنزلية الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود في أغسطس/آب 2015. ويشرح سمير قائلاً:

"كنا قبل هذا نعالج المرضى في عيادتين تقعان في مدينة إربد. لا نزال نقوم بهذا لكن هناك أيضاً حاجةً إلى الزيارات المنزلية. فالكثير من المرضى لا يقدرون على المجيء إلى المدينة، إما لأن حالتهم الصحية لا تسمح لهم بذلك أو لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل".

يقيم في أول منزل سيزورونه مريضان، زوجٌ وزوجة يدعيان عزيز وعزم. تفتح ابنتهما باب البيت وبرفقتها أطفالها الثلاثة. يتكون المنزل من طابق واحد يحتوي على القليل من المفروشات. لكن البساطة والعفوية التي يرحب بها المريضان بسمير ومهند تدل على "أنني على معرفة بهما منذ وقت طويل، فالأمر أشبه بأن لدي عائلةً كبيرة" على حد تعبير سمير.

يبدأ سمير ومهند بقياس ضغط عزيز وفحص منعكساته، إذ أنه كان قد أصيب بسكتة دماغية كما أنه يعاني من السكري منذ وقت طويل وهو طريح الفراش. لكن رعم ضعفه إلا أنه يستفيض في شرح حاله فيقول:

"نعيش هنا منذ خمس سنين. غادرنا سوريا بسبب تدهور صحتي وصحة عزم. كنت مزارعاً أدير أرضاً لم أكن أملكها لكنها كانت تدر دخلاً جيداً، كما كنت أملك منزلاً هناك. جاء قبل سنين طويلة أبي الفلسطيني عابراً الأردن ليستقر في سوريا. يا ليته بقي في الأردن ويا ليتني لم أشهد هذه الحرب. لا تزال ابنتنا في سوريا وهي لا تفارق تفكيرنا. ليس من السهل علينا العيش هنا فتكاليف الإيجار باهظة ونحن ثمانية أشخاص في هذا المنزل. لدينا ابنٌ واحدٌ يعمل فقط وعليه تأمين كل شيء، بما في ذلك فواتير الكهرباء وغيرها. نريد العودة إلى بيتنا لكن ليس قبل أن تنتهي الحرب ويتوقف القتل".

فقدت عزم بصرها قبل 15 عاماً. ولأنها تعاني من الزرق فهي بحاجةٍ إلى عملية جراحية وقطرات عينية. لكن حتى هذه القطرات التي تكلف 23 ديناراً أردنياً باهظة الثمن للغاية.

وتقول عزم:

"العيش وسط القصف والحرب مرهقٌ جداً سواء كنت أعمى أم لم تكن. لكنني سعيدة بكوني هنا. فقد رحب بنا السكان وهنا جيراننا يزوروننا كما أن صاحب المنزل يخفض لنا من كلفة الإيجار".

تعاني عزم من السكري وارتفاع الضغط. وفيما يقوم سمير بفحص دمها وقياس ضغطها، يلتقط مهند حفيدها الأصغر الذي بدأ بإلقاء الألعاب. لم يهدأ على الفور، لكنه جلس بعد بعض لحظات مع مهند وهو يتفرج على الطيور التي تحلق أمام النافذة.

في الطريق إلى المنزل الثاني، بدأ سمير يمدح مريضةً سابقة قائلاً:

"أصيبت برصاصة قناص في وركها لكنها نجت. عالجناها لإصابتها بارتفاع الضغط وكانت تصر رغم حالها على أن تقدم لنا الفطور، إلا أنها توفيت مؤخراً بسبب نوبة قلبية".

تدعى المريضة الثالثة التي سيزورها الفريق اليوم خديجة، وهي تعاني من ارتفاع الضغط كما أنها فاقدة البصر.

ولأنه من شبه المستحيل عليها القدوم إلى العيادة، فهي سعيدة بزيارتنا لها في منزلها.

تقول خديجة:

"نحن هنا منذ عام 2013. كان من المستحيل علينا التعايش مع العنف والاضطرابات في سوريا، لكن الرحلة لم تكن سهلة هي الأخرى، واضطررنا في جزء منها إلى السير على أقدامنا. وحين اقتربنا من الحدود، رأى أحد الحراس بأنني لا أبصر، فأخذني بيدي وسار بي في آخر جزءٍ من الطريق. رغم فرص السفر إلى الويالات المتحدة وكندا والعيش هناك، إلا أنني سعيدة بوجودنا في الأردن، فنحن نتقاسم التقاليد ذاتها. همنا الأكبر اليوم هو المال، فنحن خمسة وابننا بالكاد يكسب ما يغطي نفقات الإيجار والطعام".

فيما يفحص مهند ضغط خيرية، تقوم ابنتها بإعداد القهوة وتخبرنا عن حاجتها هي الأخرى إلى رؤية طبيب. وهنا يخبرها مهند بأنه سيحيلها إلى طبيب في وزارة الصحة. وبينما يتحدثان، يحبو ابنها البالغ عامين من العمر باتجاه جدته وقد جذبه جهاز قياس الضغط.

المريضة الرابعة اليوم تدعى سلطية التي تعيش طريحة الفراش وعانت مؤخراً من سكتة دماغية. وفيما يرحب زوجها وابنتها وأحفادها بمهند وسمير، تعاني سطلية كي تفتح عينيها، إذ لم يمر على إصابتها بالسكتة الدماغية سوى أسابيع. وكانت قد أحيلت إلى برنامج الزيارات المنزلية بسبب إصابتها بارتفاع ضغط الدم.

ثمة 12 فرداً من أسرة واحدة يعيشون في هذا المنزل، لكن سلطية هي محط قلق الجميع. ورغم كلفة الكهرباء إلا أن هناك مروحتان تعملان كي تردا عنها حر الصيف. يعاني ابن سلطية في تأمين قوت الأسرة. كان يعمل خبازاً في سوريا كما كان والده يملك بقالية. اعتادت الأسرة على زراعة حاجتها من الخضار وكانت تملك بستان زيتون. وخلال أواخر فترة إقامتهم في سوريا، كانت الصواريخ تحلق فوق منزلهم أمام أبصارهم.

في طريق عودتنا إلى المدينة يتحدث مهند وسمير عن طبيعة البرنامج ومدى اختلافه عن باقي مشاريع الطوارئ التي اعتادت المنظمة على إدارتها استجابةً للآثار المباشرة للحروب والأوبئة والكوارث والمجاعات. لكن زيارة بيوت هؤلاء المرضى تضع المرء أمام واقعٍ قاسٍ، فهؤلاء أناسٌ لديهم احتياجات طبية حقيقية وطويلة الأمد، ويعيشون في ظل ظروف صعبة وقاسية. صحيحٌ أنهم نجوا من الحرب لكن مستقبلهم لا يزال غامضاً.

لم يقو أي من المرضى الذين زارهم الفريق اليوم على أن يفتح باب بيته بنفسه، كما أن عدم امتلاكهم للمال أو القدرة على الحركة يطرح سؤالاً ملحاً ألا وهو: كيف لهؤلاء المرضى الحصول على العلاج لولا وجود برنامج كهذا؟