مقابلة مع أخصائي الرعاية الملطفة في منظمة أطباء بلا حدود أمين لامروس
س 01: غالباً ما يرى الناس الرعاية الملطفة على أنها تقديم أدوية الغرض منها تخفيف الألم في اللحظات الأخيرة من الحياة، لكنها أكثر من ذلك بكثير، أليس كذلك؟
الرعاية الملطفة عبارة عن حزمة متكاملة من الرعاية الطبية تهدف إلى تخفيف معاناة المصابين بأمراض خطيرة. يمكن للمعاناة أن تكون جسدية، لكنها يمكن أن تكون أيضاً نفسية وروحية وثقافية واجتماعية وغير ذلك. وتعالج الرعاية الملطفة أعراض المرض والآثار الجانبية للعلاج والتي قد تشمل الإقياء والإسهال وما إلى هنالك.
ليس الغرض من الرعاية الملطفة تغيير سير المرض، لكنها ليست مرادفاً للموت، إذ لن يموت جميع المرضى الذين يتلقون رعاية ملطفة. ينبغي في بعض الحالات الخطيرة البدء بالرعاية الملطفة حالما نبدأ بالعلاج الشافي، ونقوم بعدها بالتركيز على إحدى الطريقتين بحسب تطور سير المرض دون أن ننسى الموازنة بينهما.
وثمة دراسات عديدة قارنت بين اللجوء إلى العلاجات التقليدية الشافية فقط وبين اعتماد مزيج من العلاج الشافي والرعاية الملطفة، وقد وجدت أن المرضى الذين يتلقون الرعاية الملطفة يعيشون لفترات أطول. وهذا أمرٌ منطقي لأنهم يشعرون منذ البداية بألم أقل على الصعيدين الجسدي والعاطفي، وهذا بالتالي يؤثر في حالتهم الطبية.
س 02: لماذا تأخر بروز موضوع الرعاية الملطفة إلى هذا الحد في منظمات على غرار أطباء بلا حدود؟
نظراً لطبيعة منظمتنا فإننا نعمل في سياقات مختلفة كالنزاعات المسلحة وعلى خطوط القتال وفي حالات الطوارئ... كما أن الناس في الكثير من هذه السياقات يعانون للحصول على الرعاية الصحية التي هم في حاجة إليها أو لا يستطيعون الحصول عليها. فالمعاناة من صلب الحياة اليومية.
تشهد فرقنا على المعاناة ولا تتمكن في العديد من الحالات من تقديم الكثير من الناحية الشفائية، لكن لا يمكننا في الآن ذاته أن نغض الطرف. والرعاية الملطفة جزءٌ من استجابتنا كمنظمة على هذه المعاناة.
علنيا بالطبع أن نستمر في تحسين ما نقوم به، وعلينا أن نضغط على الآخرين كي يحدثوا تغييرات من شأنها تحسين حياة هؤلاء الناس، كما علينا أن نشرح ما يحدث لهم... لكن يتحتم علينا كذلك أن نقوم بشيء ما من أجل هؤلاء المرضى والذين ليس أمامهم أي خيار آخر.
س 03: خلال النزاعات والطوارئ، أي عندما تبدو الأولويات وكأنها تقتصر على إنقاذ حياة الناس، كيف لنا أن ندرج الرعاية الملطفة ضمن استجابتنا الإنسانية؟
تهدف الإغاثة الإنسانية إلى إنقاذ حياة الناس وكذلك تخفيف معاناتهم. تخيل مثلاً رجلاً يعاني من السرطان في مرحلة متقدمة في قرية نائية في جنوب السودان، ويزور مستشفى أطباء بلا حدود في المنطقة. عادة ما يُحال المريض إلى أحد مستشفيات العاصمة، لكن إذا ما كنا على علم بأن الرعاية الملطفة غير متوفرة في العاصمة، ماذا عسانا أن نفعل؟ هل نحيله بأي حال رغم إدراكنا لمعاناته ومعاناة أسرته؟
يمكننا أن نقدم في مستشفانا الدعم النفسي له ولأسرته، ويمكننا أن نقدم علاجاً مخففاً للأم وغير ذلك. لكن ما لا يمكننا فعله هو أن نغض الطرف وأن نرسله ببساطة إلى مستشفى العاصمة كي نتجنب التعامل مع هذا الوضع المؤلم.
س 04: هل يصعب إدراج مفهوم الرعاية الملطفة في مشاريع أطباء بلا حدود؟
الأمر ليس معقداً من الناحية التقنية، إذ أننا نستخدم أدوية بسيطة غير مكلفة عادةً ما تتوفر في صيدلياتنا. أما الجزء الأخلاقي فأكثر تعقيداً، إذ أن معظم العاملين الأجانب، حين يأتون للعمل مع أطباء بلا حدود، يكونون معتادين على عتبة مرتفعة للغاية للبدء بالرعاية الملطفة، كما هي الحال في أوروبا وأمريكا الشمالية. لكن هذه العتبة أخفض في مشاريعنا لأننا لا نمتلك التكنولوجيا والإمكانيات والموارد ذاتها. وليس أمامنا من خيار سوء البدء بالرعاية الملطفة في وقت أبكر. هذا أمرٌ صعب لكنه أخلاقي نظراً لغياب البديل.
كما أن العمل ضمن فريق يعد من المبادئ الأساسية للرعاية الملطفة. حيث يتم تشارك معلومات المرضى بين مختلف العاملين الطبيين بهدف اتخاذ أفضل قرار مشترك للمريض. وهذا أمرٌ قد يكون مرهقاً جداً للطبيب في حال كان يعمل وحيداً في مكان منعزل. ليس من عتبة قياسية لبدء الرعاية الملطقة وإنما تعتمد على عدة متغيرات بما فيها البلد والمريض والمرض.
س 05: ما هي خطط أطباء بلا حدود المستقبلية فيما يخص الرعاية الملطفة؟
نعتقد أن من الأهمية القصوى إدراج المفهوم في أنشطة أطباء بلا حدود. وفي حال غياب أي إمكانية للشفاء، فإننا على الأقل نعلم أن ثمة ما يمكن القيام به من خلال الأدوات المتوفرة بين أيدينا من طواقم وأدوية وإلى ما هنالك.
ثمة تركيز على معدل الوفاة نظراً لسهولة قياسه، إذ يمكنك القول: "لقد أنقذت حياة هذا العدد من الناس". أما المعاناة فلا يمكن قياسها كما أن فهمها أصعب. لكن من المهم جداً أن لا ننسى بأن مهمتنا لا تقتصر على إنقاذ حياة الناس بل أيضاً تخفيف معاناتهم.