تمرير

العيش مع مرض السكري: المرضى السوريون والأردنيون يحاربون المرض الصامت - الجزء الأول

15 نوفمبر 2017
قصة
الدول ذات الصلة
الأردن
شارك
طباعة:

يستقل كل من الدكتور جميل والممرض سمير سيارة أطبّاء بلا حدود ويتوجهان إلى منزل آخر خلال اليوم المخصص للزيارات المنزلية في محافظة إربد في شمال الأردن. فينزلان بضع درجات ويصلان إلى قطعة قماش كبيرة تحركها الرياح وتؤدّي دور باب المنزل الذي يزورانه اليوم.

ترحب بهما سيدة سورية في أواخر الثلاثينات وتدعوهما إلى الدخول. اجتمع أفراد العائلة بأكملها وأخذوا يحتسون الشاي ويحاولون تدفئة أنفسهم بعد أن بدأ الطقس يبرد مع اقتراب فصل الشتاء. وتقول بتول: "وصلتما في الوقت المناسب". كانوا يتوقعون وصول كل من جميل وسمير اليوم واندفع الطفلان اللذان كانا يجلسان بكل سرور وركضا إلى الداخل ليحضرا الأكواب التقليدية لضيفيهما.

وتستلقي على قطعة أثاث موضوعة على الأرض في الخلف خيرية البالغة من العمر 77 عامًا، وبالرغم من تواجدها في الخلف، إلا أنها ما زالت قريبة إلى حد كافٍ لترصد دخول أي شخص من الباب. تبتسم فجأةً عند رؤية الرجلَين وتحاول تغيير وضعيتها متخذةً وضعيةً أكثر ترحيبًا. كانت خيرية قد رُزقت بثلاثة أولاد لقوا حتفهم في سوريا، ويمكن للمرء أن يرى حزنها الكامن خلف ابتسامتها. هي تعاني من مرض السكري منذ 15 سنة، وترك المرض، عامًا بعد عام، أثره على جسدها، فأضحت رؤيتها ضبابية وسمعها ضعيفاً، وما عادت ساقاها قادرتَين على حملها كما اعتادتا سابقاً.

msf214819_medium.jpg

تدير أطبّاء بلا حدود مشروعاً للأمراض غير السارية في محافظة إربد منذ حوالي ثلاث سنوات، وتقدّم الرعاية الطبية إلى أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة. وبالإضافة إلى ذلك، بدأت أطبّاء بلا حدود تدير برنامج الزيارات المنزلية في أغسطس/آب 2015 لأولئك الذين يعانون من قيود بدنية تمنعهم من الوصول إلى العيادات أو لأولئك غير القادرين على تحمل تكاليف التنقل.

وبينما باشر الفريق الطبي التابع لأطبّاء بلا حدود معاينة خيرية، عمل سمير على قياس ضغط دمها، وبعد لحظات، وضع جميل قفازيه وفحص ساقَي خيرية وتحقق من رد فعلها العصبي. في هذه الأثناء، توزّع ربيبة خيرية الشاي بالنعناع، ثم تجلس وتقول:

"يصعب إيجاد خدمات طبية جيدة في الديار، ومع الحرب المشتعلة في سوريا ووضع عمتي الصعب، اضطررنا إلى مغادرة البلد متوجهين إلى الأردن".

وتدعو بتول حماتها بلقب عمتها بما أنها مقربة للغاية منها، وتعتني بها منذ تدهور وضعها الصحي. وتضيف قائلةً:

"غادرنا سوريا في العام 2012 وتعرّض منزلنا للقصف ودُمرت المنازل الأخرى المجاورة له، واضطر الجيران إلى إخلاء منازلهم وفروا من المنطقة عندما كانوا لا يزالون قادرين على ذلك".

أخذت بتول تذكرنا باحتساء الشاي الذي أوشك أن يبرد، بينما سمير يُعلّم الجار الذي يزورهم بانتظام كيفية استخدام "القلم" لإجراء اختبار السكري لخيرية في حال لم تكن بتول في أحد الأيام في المنزل. وتواصل بتول حديثها معنا بينما تعتلي وجهها ابتسامة ناجمة عن الارتياح وتقول:

"سجلت اسم خيرية مباشرةً بعد أن وجدت عيادة أطبّاء بلا حدود، ونظرًا لحالتها الصحية، بدأ الأطبّاء يزورونها في المنزل. يأتون لمعاينتها كل شهر ويحددون موعد كل زيارة بانتظام".

msf214814_medium.jpg

تقف وتتوجّه إلى الخلف، ثمّ تعود مجددًا مع هاتفها المحمول وتبحث في رسائلها عن رسالة واحدة محددة وتقول بكل فخر:

"ترسل أطبّاء بلا حدود رسالة نصية تعلمنا بها عن زيارتها التالية، وهي بمثابة تذكير جيد لنا جميعنا ولدي جميع هذه الرسائل محفوظة هنا".

تنظر إلى وجه كل فرد من أفراد عائلتها بعناية وتقول:

"هل تعرفان أن أربعة من بيننا يعانون من السكري؟ عمتي وزوجها وزوجي وابننا البالغ من العمر 9 سنوات. لطالما فكرت بإيجاد رعاية طبية متواصلة ولائقة لهم جميعاً، إذ أنه لا يجوز أن ينقطع علاجهم، وهذا كل ما استطعت أن أفكر به".

عندما وصلت العائلة أولًا، بقيت حوالي السنة في مدينة واحدة، فسكنت أولاً لمدة شهر في منزل أحد الجيران بما أنها عجزت عن تحمّل تكاليف الإيجار، ثم نجحت بإيجاد منزلها الخاص، ولكن مع عدم قدرتها على تلقي الرعاية الصحية المنتظمة في المدينة لأسباب مالية، انتقلت العائلة إلى محافظة إربد بحثًا عن خيارات أسهل. وتقول خيرية:

"عرفت عن عيادات أطبّاء بلا حدود من زملائي السوريين، ولدى زيارتي للعيادة، أعلمتهم عن الحالات الطبية التي يعاني منها كل فرد من أفراد عائلتي. فبدأنا نحدد كل شهر المواعيد في العيادة، ويحضر الفريق الطبي كل شهر لمعاينة عمتي في المنزل".

حُرمت خيرية وزوجها وحفيدها من الأدوية لمدة طويلة، وبعد الانضمام إلى برنامج أطبّاء بلا حدود، أعطى الفريق الطبي حالاتهم الأولوية فأخذوا يقدمون لهم علاجاً طبياً منتظماً ويجرون متابعة مستمرة.

وتبدأ خيرية بالصراخ، مقاطعةً كل الأحاديث في الغرفة، ثم تطلب أن تتم مساعدتها على الجلوس بوضعية صحيحة. يبتسم كل من سمير وجميل ويتبعان الأوامر ويندفعان إلى نجدة خيرية، ثم ينفجر الثلاثة ضاحكين. تنظر بتول إلى عمتها وتتأملها؛ هي تفكر بالمستقبل كثيرًا بالرغم من رغبتها في النسيان والاستمتاع بالحاضر.

msf214817_medium.jpg

وتُردف بتول قائلةً:

"ما من مكان نعود إليه الآن، فنحن أكثر أمانًا ونشعر بالمزيد من الارتياح والسلام هنا. لا أظن أننا سنكون قادرين على تأمين الأدوية للعائلة إن عدنا إلى الديار الآن. كلما فكرت بالمستقبل، ازداد تفكيري بأفراد عائلتي. إن عدنا إلى سوريا، فهل سيهدأ الوضع؟ هل سنتمكن من الاستمرار بتلقي العلاج هناك؟ ماذا لو توقفت المستشفيات والمراكز الطبية عن تقديم علاج مرض السكري؟".

ويسود بعدئذٍ الصمت.

يوضّب الفريق حقائبه ويوجّه الشكر إلى الجميع على ضيافتهم المعتادة. يخرجان من المنزل وينتعلان حذاءيهما استعدادًا للمغادرة، وتبقى أسئلة بتول تجول في رأس كل من جميل وسمير العاجزَين عن الإجابة على هذه الأسئلة.

**تم تغيير أسماء الأشخاص لحماية خصوصيتهم


في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2014، استهلت أطبّاء بلا حدود مشروعًا للأمراض غير السارية في محافظة إربد في عيادتَين، مقدمةً العلاج الطبي للمرضى السوريين الذين يعيشون في المجتمعات المستضيفة والأردنيين الأكثر حاجة، فتعالج مجموعة من الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والربو وأمراض الأوعية الدموية ومرض الانسداد الرئوي المزمن. في أغسطس/آب 2015، أطلقت أطبّاء بلا حدود برنامج الزيارات المنزلية للوصول إلى المرضى الذين يعجزون عن الوصول إلى العيادتَين بسبب الإعاقات البدنية أو القيود المالية، من بين أسباب أخرى. وعلاوةً على ذلك، يوفر المشروع جلسات التثقيف الصحي والدعم النفسي الاجتماعي لمساعدة المرضى على عيش حياة صحية.

في الوقت الحاضر، تسجّل 3374 مريضًا نشطًا في مشروع الأمراض غير السارية في إربد، من بينهم 2113 (62.6%) يتلقون علاجًا لنوعَين من السكري. وأجرت أطبّاء بلا حدود 58.181 استشارةً تشمل الزيارات المنزلية، وذلك منذ بدء مشروع الأمراض غير المعدية في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2014.