تمرير

في باكستان... زرع الأمل في قلوب المصابين بمرضٍ مَنسيّ

17 ديسمبر 2018
قصة
الدول ذات الصلة
باكستان
شارك
طباعة:

في مايو/ أيار افتتحت منظمة أطباء بلا حدود مركزاً لعلاج مرض الليشمانيا الجلدية في مدينة بيشاور وهو رابع مركز تفتتحه في باكستان لعلاج هذا المرض.

خلال هذه المدة القصيرة منذ الافتتاح استقبل المركز أكثر من 800 مريض، وهو يعمل باستطاعته القصوى كما هو الحال في المراكز الثلاثة الأخرى التي افتتحتها أطباء بلا حدود: اثنان في مدينة كويتا وواحد في مدينة كوشلاك.

تُعَدُّ أطباء بلا حدود حالياً المنظمة الأولى في مكافحة هذا المرض في إقليم بلوشستان الواقع في جنوب باكستان. كما أن مركز علاج الليشمانيا الذي افتتحته المنظمة في بيشاور الواقعة في إقليم خيبر بختونخوا في الشمال هو المركز الرئيسي الوحيد الذي يقدم التشخيص والعلاج المجاني لمرض الليشمانيا في عموم المنطقة.

في غرفة الانتظار في مركز المعالجة في بيشاور تجلس تاج بيبي التي أصيب كافة أفراد عائلتها بالليشمانيا بعد أن تعرضوا للسع من قبل ذبابة الرمل مما ترك لديهم جميعاً تقرحات جلدية مؤلمة.

"زوجي، وأبنائي الأربعة وابنتي الكبرى تعرضوا جميعاً للسع في مصنع الطوب الذي يعملون فيه" هكذا بدأت تاج بيبي قصتها مع المرض، ثم تابعت قائلة "أما أنا فقد لسعتني ذبابة الرمل وأنا في المنزل وكذلك ابنتي الصغرى، زينة. نحن نعيش في بيئة ملوثة وتفتقر إلى مقومات الصحة والنظافة. العديد من جيراننا أصيبوا بالمرض وأطفالهم أصيبوا أيضاً".

لماذا يبدو من الصعب السيطرة على مرض الليشمانيا الجلدية؟

يؤثر المرض بشكلٍ خاص على سكان المناطق الريفية، أي الأماكن التي تكون فيها الظروف المعيشية سيئة وتفتقر إلى المياه النظيفة وإلى توفر الظروف الصحية بشكلٍ عام وكنتيجةٍ لذلك لا يتم إعطاء الأولوية لهذه المشكلة أو النظر إليها بجدية كإحدى مشاكل الصحة العامة.

التحديات الكبرى المتعلقة بمواجهة هذا المرض في باكستان تتمثل في عدم وجود وعيٍ ومعرفةٍ كافيين حوله بالإضافة إلى نقص الكوادر الطبية المؤهلة والمدربة على التعامل معه، وعدم القيام بجمع البيانات حول مدى انتشار هذا المرض في جميع أنحاء البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأدوية المعالجة للمرض لا تتوفر بالقدر الكافي. إن احتمال انتهاء المخزون من الدواء، الذي يجب أن يُستورَد من الخارج، يشكل تهديداً مستمراً ليس فقط لنجاعة وفعالية مراكز المعالجة كمركز أطباء بلا حدود ولكن أيضاً لصحة الناس الذين يعانون من المرض.

حين تم تشخيص المرض لدى تاج بيبي من قبل طبيبٍ محلي قيل لها أنه لا يوجد علاجٌ لهذا المرض في باكستان.

وكغيرها من المصابين بهذا المرض، والذين حط بهم السعي للعلاج أخيراً في مركز أطباء بلا حدود، توجهت تاج بيبي وعائلتها في البداية إلى السوق السوداء للحصول على الدواء الذي لم يكن متوفراً في مراكز الصحة العامة في المناطق التي تعمل فيها منظمة أطباء بلا حدود.

عادةً ما تكون الأدوية التي تتواجد في السوق السوداء ذات نوعيةٍ سيئة أو أنها منتهية الصلاحية مما يجعلها غير فعالة في معالجة المرض. وهذا مما يزيد في معاناة المرضى من أمثال تاج بيبي وعائلتها ويضاعف من شعورهم بالإهمال.

"قدمي تؤلمني إلى حد أنني لم أعد قادراً على قيادة السيارة. لم أعد قادراً على كسب المال لإطعام أولادي. الأموال التي كنت قد ادخرتها توشك على النفاد وأتمنى أن أُشفى بأسرع ما يمكن حتى أتمكن من العودة للعمل وكسب الرزق من جديد".
سايبور، سائق تكسي يعمل في بيشاور

ندوبٌ جسدية ونفسية

من الآثار الخطيرة التي يخلِّفها هذا المرض غير المعروف نسبياً هو المعاناة النفسية لدى المصابين. فالمصابون به كثيراً ما يشعرون بأن مجتمعهم يُقصيهم بسبب المنظر المزعج للتقرحات الجلدية التي يخلفها المرض ويتركهم مثقلون بشعور الرفض والخزي.

نبيلة، الطفلة ذات الأحد عشر عاماً أخرجها والداها من المدرسة بسبب التنمر الذي تعرضت له من قبل التلاميذ الآخرين في الصف بسبب التقرحات الناجمة عن المرض والتي تغطي الجزء الأكبر من وجه الفتاة.

يقول والد نبيلة بأن "التلاميذ الآخرين كانوا يهزؤون منها باستمرار ويبتعدون عنها، وفي النهاية قررنا إخراجها من المدرسة"

بعد المعالجة التي تلقتها من قبل أطباء بلا حدود تحسنت التقرحات. يقول الوالد "التقرحات كانت من قبل تنتشر على كامل الجزء الأعلى من وجهها، وقد أدى العلاج إلى إزالة بعضٍ من تلك التقرحات".

العديد من الفتيات المصابات بالمرض يخشين من أن تؤدي التشوهات التي يسببها المرض إلى حرمانهن من فرص الزواج .

يتسبب المرض أيضاً في المعاناة والحيلولة بين المصاب ومصادر كسب العيش.

اضطر سائق التاكسي سايبور خان للتوقف عن العمل بسبب الألم الذي يشعر به في قدمه، مما جعله عاجزاً عن كسب الرزق – لكنه متفائل في أن يمكِّنه العلاج من العودة للعمل قريباً.

معالجة الليشمانيا الجلدية

4bs3xyw71m634c284nh4875384h63ahk_1.jpg
أصيب ثابت البالغ من العمر 10 أعوام بالليشمانيا الجلدية قبل عام، وهو الآن في منتصف مدة العلاج بالحقن ويبدي استجابةً جيدةً للعلاج.

الدواء الوحيد المتوفر حالياً لعلاج الليشمانيا الجلدية هو "ميغلومين أنتيمونيات" والذي يتم حقنه إما في العضل أو مباشرةً في المنطقة المصابة من الجلد على مدى 20 إلى 35 يوماً بحسب شدة الإصابة.

أصيب ثابت البالغ من العمر 10 أعوام بالليشمانيا الجلدية قبل عام، وهو الآن في منتصف مدة العلاج بالحقن ويبدي استجابةً جيدةً للعلاج. يقول ثابت "الحقن مؤلمة، ولكنني سعيد لأنني أخيراً سأتمكن من الشفاء من هذا المرض".

"ظننت أن المرض سيختفي بعد عام، لكنه لم يختفِ. كلما صغرت مساحة الإصابة كنت أشعر بالسعادة لأنه بدأ بالتراجع لكنها كانت تكبر من جديد مرةً بعد مرة، بعد مرة"
ثابت، 10 أعوام

يشير تدفق المصابين على مراكز العلاج التابعة لأطباء بلا حدود إلى مدى الحاجة لتوفير خدمات معالجة الليشمانيا الجلدية في كافة المناطق التي ينتشر فيها المرض. فالمرض يصيب مئات الآلاف من الناس ومعظم هؤلاء ليسوا قادرين على تحمل كلفة العلاج .