تمرير

دعم المجتمعات العالقة على خطوط المواجهة الأمامية في شرق أوكرانيا

10 أكتوبر 2017
تدوينة
الدول ذات الصلة
أوكرانيا
شارك
طباعة:

في يوم الصحة النفسية العالمي هذا، طلبنا من مونيكا أن تخبرنا عن المشاكل التي يعاني منها الناس الذين يعيشون على أو قرب خطوط المواجهة.

هناك بعض الذين مرت عليهم ثلاث سنوات من العيش في مناطق النزاع المنتشرة على خطوط المواجهة الأمامية، في قرى معزولة عن الرعاية الصحية ووسائل التنقل العمومية، كما يوجد نازحون من منازلهم، يعيشون في مدن كماريوبول وكوراخوف. فأغلب مرضانا من كبار السن، وخصوصاً من الناس، ممن لم يعتادوا التحدث عن صحتهم النفسية لأنهم يريدون الظهور بمظهر الأقوياء.

أحياناً يرى هؤلاء في التحدث عن الشؤون الشخصية علامة على الضعف. وعادة ما تتقلص مشاعر الخجل بعد فترة طويلة، ويبدأ هؤلاء الناس باستخدام خدماتنا بشكل أكثر تواتراً إثر هذا التقلص ثم يبدؤون بإخبارنا عن عذاباتهم، وعن عزلتهم بعدما هجرهم الجيل الذي يصغرهم عمراً، وعن حزنهم وقلقهم وكآبتهم، وعن الأعراض النفسية الجسدية، التي يرتبط ظهورها بالألم الجسدي والمشاكل النفسية.

إنني أعمل مع خمسة أطباء نفسيين لدعم المجتمعات في شرق أوكرانيا. ونحن ندير بمساعدة طبيب وممرض عياداتنا الخاصة التي تقدم الرعاية الصحية الأساسية والنفسية في مناطق تكاد لا توجد مثل هذه الخدمات فيها. هناك مواقع مثل كتشيرماليك، حيث يقوم أطباؤنا النفسيون بالزيارة لوحدهم لأن أغلب الاحتياجات الطبية الأخرى مغطاة؛ مع ذلك فإن صحة الأهالي النفسية لها حاجات ماسة لا يلبيها أي مزود خدمة آخر. أما الطبيب النفسي الخامس فيعمل بشكل حصري في هذه المواقع، وفي أفديفكا وكراسنوغوريفكا بشكل أساسي.

معرفة متى يصبح الدعم النفسي ضرورياً

إننا نقوم بتقديرات لفهم احتياجات دعم المجتمعات نفسياً. فنقوم بالاستفهام حول الأحداث الحرجة التي جرت وطريقة تعامل الناس معها أو ما إذا كانوا لا يزالون يعانون منها. ما نركز عليه هو الجماعات المعرضة للخطر، والأعراض التي تظهر عليها واحتياجاتها. إننا نقوم بدراسة العوامل الكمية والكيفية، كالتصور المحلي لمشاكل السكان النفسية وطرق تعبيرهم عن الضيق العاطفي.

في تقديرنا المبدئي لأفديفكا، وجدنا أن الناس يعانون من تغيرات في أفكارهم ومزاجهم، وينتابهم الشعور بالخيبة واليأس. كثيرون من الذين قابلناهم اشتكوا من أعراض لها علاقة بالقلق والمشكلات الجسدية النفسية والكآبة. هذه التشخيصات عادة ما تكون مترابطة وموجودة جنباً إلى جنب.

بالإضافة إلى ذلك، فالبعض يظهر أعراضاً لها علاقة بالصدمة، كالكوابيس والذكريات المتكررة، البغيضة، والمثيرة للحزن، أما البعض الآخر فيمتنع عن التفكير أو التحدث عن الحدث المسبب للصدمة، كمشاهدة موت شخص قريب منهم أو العيش معرضين للقصف اليومي. الكثيرون يعانون من مشاكل في النوم، أو تسهل إخافتهم أو إصابتهم بالضيق أو الغضب.

الاستشارة الفردية

إننا نقدم جلسات استشارة فردية وتقنيات تعليم للمحتاجين إلى الدعم الفردي للمحافظة على صحتهم النفسية والحفاظ عليها بهدف التعامل مع شتى الأعراض، وتشمل هذه التقنيات تمارين تنفس وتعليماً ذاتياً إيجابياً. مثلاً، قد نطلب من الشخص أن يتخيل ما قد يقوله له صديق مقرّب ومن ثم نستخدم هذه العبارة كوسيلة لدعم الذات. كما نساعدهم على تحديد الأفكار السلبية التي يمكن استبدالها بتأكيدات مفيدة.

إننا نستخدم أيضاً تقنيات تخفيف الضغط التي تستند إلى صفاء الذهن، والتي تعلّم الصبر على البقاء في اللحظة الحاضرة عبر وصف الوضع وإدراك صفات البيئة بكامل الحواس الخمس. وأخيراً، وليس آخراً، نقوم بالتركيز على الدوام على أهمية العقد الاجتماعي أو إعادة استكشاف بعض النشاطات الصغيرة الممتعة.

msf182884_ukraine2.jpg
تستخدم المريضة مخططا لإظهار مدى خطورة حالتها. صورة: موريس ريسيل

العلاج الجماعي في حضانة مهجورة

يعمل الطبيب النفسي لدينا مرتين في الأسبوع في أفديفكا. وهي بلدة صناعية شهدت ارتفاعاً في مستوى النزاعات منذ يناير\ كانون الثاني، وتعرضت للقصف مراراً لعدة أشهر الآن. إننا نعمل من حضانة مهجورة مثقوبة الجدران، يغطي نوافذها نوعان من العوازل التي ركبها خبراؤنا اللوجستيون. واحدة لحمايتنا من شظايا الزجاج في حال القصف، والأخرى فوق تلك للحفاظ على الخصوصية.

في مايو\أيار 2017 بدأ الأطباء النفسيون لدينا بعمل جلسات جماعية أسبوعية للكبار في السن الذين يشعرون بالعزلة. في يونيو\حزيران قام الفريق أيضاً بإدارة جلسات تدريبية للمعلمين المحليين، وسلط الضوء على أهمية الاعتناء بالصحة النفسية. قدر المعلمون الأثر الإيجابي لتمرين تنفس بسيط لا تتعدى فترته الدقائق المعدودة.

ومنذ أكتوبر\تشرين الأول والفريق يخطط لبدء مجموعات دعم للأهالي، تهدف لمساعدتهم مع أطفالهم على التأقلم مع الضغوط العاطفية. في القرى القريبة من خطوط المواجهة نسمع على الدوام قصصاً عن القصف وعن اضطرار الناس للاختباء في الأقبية. في الحالات الشديدة يجب تهدئة الأطفال، لكن البالغين قد تصيبهم الرهبة أيضاً. هدف المجموعة توفير مساحة خاصة يمكن تشارك التجارب فيها بين ناس يمرون بذات الظروف، وحيث يمكنهم ذلك من إيجاد طرق للتعامل مع ردود أفعالهم. هذه هي القيمة المضافة لهذه المجموعة – إعلام الناس أنهم، بغض النظر عن المصاعب التي يواجهونها، ليسوا لوحدهم.

عندما أشرفت مؤخراً على مجموعة دعم للكبار في السن، تأثرت بطريقة تعبير المشاركين الحذرة عن مخاوفهم ومكامن قلقهم في بداية الجلسة، ومقدار امتنانهم وراحتهم الواضحة في نهايتها. لقد ساهم التعبير عن العواطف، بالإضافة إلى التمارين الجماعية والبيئة المريحة التي خلقتها رسوم الأطفال على الجدران في إنشاء جو بالغ الدفء واللطف. سأظل أذكر بكل سعادة اللحظات في نهاية الجلسة، عندما كان المشاركون يضحكون، ويعلّقون على مكامن قوة كل واحد منهم، ويلتقطون صوراً مع بعضهم البعض، ويقولون وداعاً وعيونهم تذرف دموع الفرحة.